للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اختلاط المرأة بالرجال وخلوتها بهم في السفر وفي غيره]

وفي صدر الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال -وهو يخطب على المنبر، والخطابة على المنبر قد تكون للجمعة وقد تكون لغيرها-: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعهما ذو محرم) هذا الجزء من الحديث -على إيجازه- يعطينا صورة كاملة على مدى الحفاظ على المرأة في الإسلام، وعلى وجوب التوقي من فتنتها؛ وذلك أن علاقة المرأة بالرجل، والرجل بالمرأة علاقة أصل بفرع، وفرع بأصله، {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء:١] فالأصل يعطف على الفرع، والفرع يحن إلى الأصل، وهذه جبلة وغريزة، والله سبحانه وتعالى حفظ الجنسين من بناء علاقة بينهما إلا ما كان في عقد نكاح، أو ملك يمين: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون:٦] .

فإذا جاء العقد كانت هناك رابطة أخص: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة:١٨٧] وقبل أن يأتي هذا اللباس فالمرأة الأجنبية محرمة على الأجنبي، وبهذه المناسبة -وقد انتشر في العالم التساهل في هذه القضية- نجد أن الله سبحانه سدّ منافذ الوصول إلى المرأة، من الحواس الخمس، عن النظر: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ} [النور:٣٠] ماذا؟ {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:٣٠] {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:٣١] فأمر بغض البصر من كلا الجانبين، وحفظ الفرج، وكذلك السماع: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ} [الأحزاب:٣٢] ، وكذلك: {وَلا يَضْرِبْنَ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:٣١] لأن ضرب الخلخال يصدر صوتاً تسمعه الأذن ويلفت النظر، وكذلك الملامسة من باب أولى، وهنا يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون) ، بل أيضاً منع ما يثير حاسة الشم: (أيما امرأة تعطرت وخرجت من بيتها، فمرت على رجال، فوجدوا منها ريحها، فهي زانية) .

وقد يتعاظم الإنسان هذا الحكم، ولكن إذا عرفنا بأن العين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها السماع والتلذذ، والأنف أيضاً تزني وزناها الشم إلى غير ذلك هان الأمر علينا.

ثم منع الخلوة أياً كانت، وهذا زيادة في الحفاظ عليها، حتى جاء في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله: (أفرأيت الحمو يا رسول الله؟!) والحمو: أخو الزوج، يعني: يدخل في غيبة أخيه، فبيّن صلى الله عليه وسلم أنه أشد خطراً فقال: (الحمو الموت) ؛ لأن الأجنبي لا يجرؤ أن يدخل، وإذا دخل لفت الانتباه، أما أخو الزوج فيدخل بيت أخيه، وهناك تكون عدم المبالاة، فيكون هناك ما يشبه الموت.

إذاً: في هذا الحديث يبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن على الرجل أن يتوقى من المرأة، وكذلك المرأة.

وتقدم لنا في قضية الخثعمية التي كانت تسأل النبي صلى الله عليه وسلم والفضل بن العباس رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ ينظر إليها، وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل عن الخثعمية، ولما سأله العباس في ذلك قال: (رأيت شاباً وشابة، فخشيت عليهما الفتنة) .