إذاً: صدقة التطوع عنوان على أن المتصدق موقن بالأجر من الله، وموقن بالعوض عند الله، وعلى قانون المعاوضة المادية كذلك؛ لأنه يدفع التمر أو يدفع الأرز ويحتسب الأجر عند الله:{يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء:٨٨-٨٩] فإنه يأخذ العوض هناك، فهو رصيد مضمون ينفعه يوم يفر المرء من أخيه، وأمه أبيه، فيجده عند المولى سبحانه مضاعفاً كما قال صلى الله عليه وسلم:(إن أحدكم ليتصدق بالصدقة فتقع في كف الرحمن فينميها له كما ينمي أحدكم فلوه -أي: ولد الفرس- حتى تكون مثل جبل أحد) .
والصدقة والصدق مادتهما اللغوية واحدة:(صدقة، تصدق) ، وتاء الافتعال هذه زائدة، فالصدقة في التطوع دليل صدق المسلم في إيمانه بالله؛ لأنه يدفع الثمن الآن ويترقب العوض فيما بعد، ولا ينتظر ممن أعطاه معاوضة، ولا ينتظر من أحد جزاءً ولا شكوراً:{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً ولا شكورًا}[الإنسان:٩] أي: ولو جازيتمونا فإلى أي حد يكون الجزاء منكم؟ عبد الرحمن بن عوف لما جاءت تجارته ودقت طبولها، فجاء التجار وقالوا: نعطيك (١٠%) زيادة في الربح، فرفض! (٥٠%) فرفض، (١٠٠%) فرفض وقال: أعطيت أكثر!! قالوا: نعطيك الضعف ضعفين، قال: أعطيت أكثر!! قالوا: نحن تجار المدينة، وليس في المدينة من يعطيك أكثر من ذلك، فمن الذي أعطاك أكثر من ذلك؟ قال: الله أعطاني الحسنة بعشر أمثالها، أعطاني عشرة أمثال قيمتها، فالعير وما تحمل في سبيل الله!! إذاً {لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا}[الإنسان:٩] لأنكم لا تستطيعون أن تجازونا كما يجازي الله سبحانه.