قال رحمه الله: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر) رواه أبو داود والترمذي وضعفه.
ولـ أحمد عن عائشة رضي الله عنها نحوه، وفيه راو مجهول.
] أتى المؤلف رحمه الله بهذا بعد موضوع نقض الشعر للمرأة، وكأنه يلمح إلى ضرورة نقض شعرها، وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً فإنهم يقولون: هذا الحديث موقوف على علي رضي الله تعالى عنه، وبعضهم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والموقوف إذا لم يكن موضوعه محل اجتهاد يعطى حكم الرفع؛ لأن إثبات حكم الجنابة تحت كل شعرة، ليس من الاجتهاد، وإن كان موقوفاً على علي فيقال: يعطى حكم المرفوع؛ لأن علياً رضي الله تعالى عنه ليست عنده الإمكانيات لأن يحكم بأن تحت كل شعرة جنابة، إذاً: فلا يكون قد قال ذلك إلا بعد أن سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يصرح بسماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: سواء كان مرفوعاً كما هو هنا، أو كان موقوفاً على علي -كما في بعض الروايات- فإن الموقوف هذا يعطى حكم الرفع؛ لأن موضوعه لايستفاد بالاجتهاد والرأي.
إذا كان تحت كل شعرة جنابة، فإن هذا من باب التأكيد، وإن لم تكن هناك شعرة، كأن يكون المغتسل أقرعاً، فكل جزئية تعادل شعرة في الجسم تحتها جنابة؛ ولذا أردف الخبر بأن تحت كل شعرة جنابة بما هو أعم فقال:(فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشر) ، فغسل الشعر إذا كان مظفوراً مشدوداً لا يتأتى، وهذا يرجح أولوية نقض الشعر المظفور ليتمكن من غسله، وقوله:(وأنقوا البشرة) ، البشرة: من المباشرة، وسمي الآدمي بشراً؛ لأن بشرته مكشوفة بخلاف الحيوان فجلده مغطى بشعر أو صوف أو غير ذلك، ولا يوجد حيوان مكشوف البشرة إلا الإنسان، ومن هنا كانت البشرى، إذا سمع خبراً ساراً تغيرت أسارير بشرة وجهه، وظهرت على وجهه علامات الاستبشار، فهي مأخوذة من البشرة.
وبشرة الإنسان هي جلده، فكل ذرة من ذرات الجلد الظاهرة يجب إنقاؤها، وليس مجرد غسلها، ومن هنا أخذ مالك رحمه الله ضرورة الدلك؛ ليتحقق الإنسان في غسله أنه أنقى البشرة، وذكر ابن عبد البر عن كثير من المالكية أنه يبذل جهده؛ لأن المالكية المتأخرين يقولون: إذا لم تلتق يديه من وراء ظهره، ولم يشمل ظهره كله؛ يأخذ خرقة أو يأخذ منديلاً ويمرره على ظهره؛ ليتأكد أنه دلك جميع بشرته، وقال ابن عبد البر عن أصحاب مالك: لو أنه لم يفعل هذا التدليك المطلوب وكرر إضافة الماء فإن ذلك يجزئه عن الدلك، كما يحصل الآن عندما تقف تحت الدش والماء ينصب متوالياً، فيقول: إذا تكررت إفاضة الماء وتوالت فهي مظنة وصول الماء إلى جميع البشرة، أو إذا انغمس في ماء ومكث مدة، أو تحرك في الماء فإن هذا مظنة تعميم الماء إلى جميع البشرة.
وعند الآخرين يكفي إذا تأكد من وصول الماء ولو من صبة واحدة، وقد جاءت السنة أنه أفرغ على جسده ثلاث مرات.
وعلى كل: فما يتعلق بالتدليك وما يتعلق بإنقاء البشرة إنما هو تأكيد لرفع الجنابة عن جميع الجسم، وقد رأينا في الوضوء أنه إن ترك لمعة فقد جاء الوعيد (ويل للأعقاب من النار) وابن عبد البر يقول: إن الله سبحانه أمر المسلم أن يغسل أعضاء الوضوء، وغسلها لا يتأتى إلا بإمرار الماء عليها مع الدلك كما تغسل الثوب أو الإناء، أما مجرد مرور الماء على العضو فهذا ليس بغسل وإنما هو صب للماء، ولا يتحقق الغسل إلا بالدلك والفرك، ويقول: إن الله سبحانه وتعالى قال: في الغسل: {وَلا جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا}[النساء:٤٣] ، فكيف يكون الاغتسال الذي جاء مجملاً في كتاب الله مع الوضوء الذي جاء مفصلاً؟ فكما أمر الله المتوضئ أن يغسل أعضاء الوضوء، ولا يتحقق غسل الأعضاء إلا بإمرار اليد عليها، وعدم إمرار اليد لا يسمى غسلاً، بل يسمى إفاضة الماء على العضو؛ وكذلك في الغسل عليه أن يمر يديه على سائر بشرته كما يمر يده على أعضاء الوضوء التي جاء التنصيص عليها، والجمهور أنه كيفما اغتسل أجزأه.