للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معنى قوله: (فأما شيء معلوم ... )

[فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به] .

فنهى عن ذلك لأن هذا يفسد وهذا يصح، فهو غرر.

(أما شيء معلوم) ، وكلمة: (شيء) كما يقول علماء اللغة والمنطق: أعم العمومات، لا يخرج منها شيء، حتى رب العزة، كما قال الله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:٨٨] ، فكلمة (شيء) أعم العمومات في اللغة.

(أما شيء معلوم) دينار ذهب درهم فضة فلوس نحاس طعام لباس.

أي شيء من هذا كله داخل في: (شيء معلوم) ، فعندما يأتي إنسان ويقول: استأجرت منك الدار عشر سنوات بنخلي.

هذا شيء، فهو يملكه النخيل على أن يستأجر منه الدار عشر سنوات، أو استأجرت منك الدار ببعير، بسيارة نوع كذا، تعال انظر واكشف عليها، بشاة.

إذاً: أقبال الجداول والماذيانات شيء ولكنه ليس معلوماً، وهنا نهى صلى الله عليه وسلم عن الإجارة بالشيء غير المعلوم، أما شيء معلوم بعينه ومقداره صاع من تمر أو بر، إلا عند مالك: فإذا كانت العين تستأجر لنوع من الطعام، فلا يجوز -عنده- أن تكون الأجرة من عين هذا الطعام.

استأجرها ليزرعها ذرة، لا يصح -عند مالك - أن تكون الأجرة ذرة؛ لأن المستأجر يكون قد اشترى ثمرة الزرع الذرة بقدر الأجر الذرة الذي دفعه، فيكون ذرة بذرة مع النسيئة والتفاضل، أما إذا كان سيزرعها قمحاً، والأجرة ذرة أو أرزاً فلا مانع.

إذاً: كلمة (شيء) من العمومات، فإذا وقعت الإجارة وليست خاصة هنا بالأرض الزراعية فقط، بل كل عين مؤجرة إذا كانت الأجرة شيئاً معلوماً معيناً فلا بأس، ولا يجوز أن يأتي ويقول: آجرني بعيرك غداً.

ويسكت عن الأجرة، بل لابد أن يعين.

وكذلك يزيد الفقهاء نوع العمل، وبعضهم يقول: تعيين العمل ليس بلازم والعرف يحدد، فشعيب لما قال لموسى عليه السلام: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ} [القصص:٢٧] ، قال: موافق.

هل عين له عين العمل الذي سيعمله؟ المدة عرفناها: ثمان أو عشر، لكن ما نوع العمل؟ سيبني، سيحرث، سيرعى الغنم، سيتجر، ماذا يفعل؟ لم يبين له؛ لكن عرف من الحال أنه لرعي الغنم، ويقوم بمهام شعيب التي كانت تقوم بها بناته، فيكفيه المئونة في ما كانت تعمله بنات شعيب، وبنات شعيب ماذا كن يعملن؟ كن يرعين الغنم: {وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} [القصص:٢٣] ، فيأتي موسى يحل محلهما في رعي الغنم.

وقدمنا بأن الأجير على قسمين: أجير خاص لك زمنه، تشغله كيفما شئت في ما يستطيعه ويعرفه، مرة جعلته يستقبل الطلبات من السوق، ينظف البيت، يساعد البنائين في البنيان.

ما يستطيع فعله فلك فعله ولك الزمن، بخلاف الأجير العام، الآن يتعاقدون مع الشغالات في البيوت هل يكتبون لها ماذا تعمل؟ تنظيفات أو مطبخ أو كذا؟ أبداً، عمل البيت معروف بالجملة عرفاً، لكنهم لا يكلفوها بأن تخيط؛ لأن الخياطة عمل مستقل، ولا أن تصير ممرضة، فالتمريض عمل مستقل.

إذاً: هناك من يقول: تعين للعامل الذي استأجرته نوع العمل، كما تحدد له نوع الأجرة.

وبعضهم يقول: تحديد العمل ليس بلازم، إنما يحدده العرف.

[وفيه بيان لما أجمل في.

] .

يقول المؤلف تعقيباً على الحديث: وفيه بيان لما أجمل من إطلاق النهي عن كراء الأرض؛ لأن الأحاديث جاءت مطلقة تنهى عن كراء الأرض، وجاء هذا الحديث، وهل نهى مطلقاً أو عن صورة معينة؟ عن صورة معينة، وأباحها في صورة معينة، إذاً: الأحاديث الواردة المطلقة في النهي عن كراء الأراضي يخصصها هذا الحديث، ويبين بأن عموم النهي ينصب على عقد الإجارة الذي فيه غرر وجهالة، أما عقد الإجارة على شيء معلوم مضمون فلا بأس، فقد بين هذا الحديث ما أجمل في الأحاديث التي جاءت بالنهي.