الإقرار في اللغة: قرّ، بمعنى: مكث وثبت، تقول: أقر بالمكان بمعنى: جلس وثبت فيه، ومنه قرار البئر، وقرار النهر أي: عمقه ونهايته، والإقرار يكون في الحقوق المدنية أو في الجنائية، إلا أنهم في الجنائية اصطلحوا على أن يسمى اعترافاً، يقال: اعترف بالجريمة، وفي الحقوق المالية يقال: أقر، وهو في الشرع -سواءً كان جنائياً كالحدود، أو مدنياً كالأموال ونحوها- يسمى إقراراً، ويعرفونه: بأنه إخبار عن حق في الذمة للغير، هذا أوجز التعريفات، وإن كانت قد تعددت، فالإقرار إخبار، والبعض يعتبر الإقرار إنشاءً، والصحيح الأول، والفرق في اللغة بين الإخبار والإنشاء هو: أن الإخبار إنباء عن شيء حاصل بالفعل قبل أن تخبر عنه، مثلاً تقول: أكلت تمراً، تخبر بالأكل، والأكل قد وقع قبل أن تخبر به، بخلاف الإنشاء، تقول: كل تمرة، الآن ما حصل الأكل، وأنت تنشئ القول بإيجاد الأكل، وهناك ألفاظ تحتمل الخبر والإنشاء ينصون عليها كصيغة البيع والطلاق، تقول: بعت كتابي، بعتك الكتاب، بعت واشتريت، قد تقول قبل البيع والشراء: أتبيعني كتابك؟ فيقول: بعتك، ويمكن أن تقول: بعتك كتابي العام الماضي، ولم تدفع لي ثمناً، فبعتك تحتمل إخباراً عن بيع قد سبق قبل القول، وتحتمل إنشاء البيع الآن بإيجاب وقبول.
فالإقرار من باب الإخبار عن شيء سابق، وليس إنشاءً، أقول: هذا الكتاب لك، هل هو إخبار أم إنشاء؟ إن قلت لك هذا بمعنى: أعطيتك إياه، فهو إنشاء هدية تتوقف على القبول، وإن كان إخباراً فأكون قد أعطيتك الكتاب من قبل، والآن أقرر أني قد أعطيته لك فلا أملك الرجوع، والإقرار له مباحث عديدة، وهو ركن أصيل في القضاء، وطرق الإثبات ثلاثة كما جاء عن عمر رضي الله تعالى عنه في أمر الزنا: إما بينة أو حمل أو إقرار، يعني: لا يثبت حد الزنا إلا بالبينة كما ذكر سبحانه أربعة شهود، وإما أن يظهر الحمل وهي ليست ذات زوج، وإما الإقرار.
مع أن قول عمر: أو الحمل، فيه نقاش؛ لأن المرأة قد تبتلى بالحمل بدون زنا، وذلك إذا وصل إلى محلها ماء الرجل دون قصد، كما قال عمر: اعزلوا ما شئتم، فإن جاءت الأمة بولد وهي تحت سيدها لألحقت الولد به؛ لأن الماء يسري، ولذا عندما قال رجل للنبي عليه الصلاة والسلام:(لي جارية، وأحب منها ما يحب الرجل من أمته، أفأعزل عنها؟ فقال: اعزل إن شئت أو لا تعزل، إذا أراد الله خلق الولد من ماء الرجل خلقه ولو ألقيته على حجر) ، يعني: ولو ألقى الماء على حجر، وجاءت امرأة ولامسته ووصل إلى جسمها فحملت، مثل التلقيح الصناعي يكون مشروعاً إذا كان بماء الزوج، وممنوعاً إذا كان بماء رجل أجنبي، وقد يكره مطلقاً.