[لا ينقل الشهيد في المعركة من قبره حيث مات إلا لمصلحة]
وقد جاء عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أن أباه كان من شهداء أحد، فدفن مع رجل آخر، ثم بعد مدة يقول جابر:(والله عزت علي نفسي أن يكون أبي مع غيره في قبر، فذهبت لأفرده في قبرٍ، قال: فذهبت، فوجدت كأنه مات بالأمس) ، ونقله وأفرده في قبر مستقل، ومعلوم أن الشهداء الذين سقطوا في المعركة وماتوا فيها يدفنون في مكانهم، ولا ينقلون إلى جهة أخرى، اللهم إلا في حالة الضرورة ولمصلحتهم ينقلون إلى أقرب مكان كما وقع لسيد الشهداء حمزة رضي الله تعالى عنه، ومن كان معه دفنوا حيثما أصيبوا وكان في مجرى الوادي.
فلما أجرى معاوية رضي الله تعالى عنه قناته، جاء السيل واحتفر القبور وظهرت الأقدام فضج الناس -وذلك بعد أربعين سنة من وقعة أحد - فذهبوا إليهم فوجدوهم كأنهم دفنوا بالأمس! فما كان إلا أن رفعوهم إلى المكان المرتفع على عدوة الوادي الذي هم فيه الآن، وكان هناك بقايا القبة التي كانت من قديم، وتسمى (المصرع) يعني المكان الذي صرع فيه حمزة رضي الله تعالى عنه ودفن فيه، ثم نقل بعد ذلك إلى المكان المرتفع، فنقله كان لمصلحته؛ لأن السيل قد جرف القبر وظهر، والسيل لا يؤمن في أي وقت يأتي، فرفع إلى مكان بعيد عن السيل.
وقد جاء في غزوة أحد أن بعض القتلى جاء أهلهم وحملوهم إلى المدينة، فردهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:(لا.
ردوهم وادفنوهم حيث أصيبوا) وهكذا شهيد المعركة.
أما من صُوب في المعركة ولكنه لم يقتل وذهب به إلى بيته أو إلى مكان آخر، وعاش حتى أكل وشرب فإنه يعامل معاملة جميع الموتى من أن يغسل ويكفن بلا خلاف ويصلى عليه بلا خلاف، ويعامل كما يعامل جميع موتى المسلمين.
وعلى هذا عند الضرورة سواءً كان في حال معركة، أو كان في كارثة، مثل مواضع الزلزال -عافانا الله وإياكم- يكون هناك موتى كثيرون، ومتى يستطيعون أن يحفروا لهؤلاء في وقتٍ واحد؟ فيتخذ لهم هذه الطريقة والله تعالى أعلم.