للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في يوم النحر]

قال المؤلف رحمه الله: [وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر) الحديث.

متفق عليه] .

أبو بَكْرَة أو أبو بَكَرَةَ، هذا الصحابي من أهل الطائف، ولما حاصر النبي صلى الله عليه وسلم أهل الطائف تدلى إليه هذا الصحابي رضي الله عنه، فقيل: جاء بحبل وبَكَرَة ونصبهما على السور ونزل بالحبل مع البَكَرَة، ولهذا يقال له: أبو بَكَرَة، وقيل: كانت بَكْرَة -وهي: أنثى الإبل- واقفةً بجوار السور، فتدلى من على السور على ظهر البكرة ثم نزل إلى الأرض، ومن هنا قيل له: أبو بَكْرَة، وأصبحت هذه كنيته.

قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا يوم النحر) ، يريد المؤلف أن يبين بإيراده هذا الحديث أن الرسول خطب في يوم النحر؛ لأن هناك من الأئمة من يختلفون في عدد خطب الحج التي خطبها صلى الله عليه وسلم، فالمتفق عليها خطبتان: الأولى: أنه خطب في يوم سابع ذي الحجة وبين للحجاج ما يلزمهم عمله في غدهم أي: في يوم التروية، فبين لهم أنهم سيخرجون من الغد (يوم التروية) قبل الزوال إلى منى، وكان يسمى يوم التروية؛ لأنهم كانوا يأتون بالقرب فيملئونها، وقد كانوا قبل هذا اليوم يشربون من الماء الحاضر والقرب فارغة، فإذا جاء هذا اليوم فإنهم من الصباح يضعون القرب في الماء، حتى تلين ثم يملئونها بالماء ويصحبونها معهم في صعودهم إلى منى، فسمي لذلك هذا اليوم يوم التروية، فبين لهم أنهم سيذهبون إلى منى قبل الزوال، ويصلون الفروض الخمسة بمنى، ثم يخرجون من منى صبيحة يوم عرفة بعد طلوع الشمس إلى آخره، هذه أول خطبة.

الخطبة الثانية: خطبة يوم عرفة، وهاتان الخطبتان وقع عليهما الإجماع.

وبعد هذا يأتي الخلاف في خطبتين: خطبة يوم النحر، وخطبة ثاني أيام العيد الذي هو أول أيام التشريق، فهاتان حصل فيهما الخلاف، والجمهور على أن الخطبة التي ذكرها أبو بكرة هنا كانت في يوم العيد، وإلى هذا أشار المؤلف، ومنهم من يقول: إنها كانت في ثاني أيام العيد، وهناك من يقول: إنه خطب في اليومين، وهو مذهب الشافعي، وعلى هذا تكون الخطب أربع، أي: أنه خطب في يوم السابع، وفي يوم عرفة، وفي يوم العيد، وفي أول أيام التشريق، وهناك من يقول: الخطب ثلاث، ثم يختلفون في الثالثة هل كانت في يوم العيد، أو في أول أيام التشريق؟ إذاً: الخطب المتفق عليها في الحج هي: خطبة يوم سابع ذي الحجة، وخطبة يوم عرفة، وخطبة أحد اليومين: يوم العيد أو ثاني أيام العيد، فهذه ثلاث متفق على أنه خطبها، وإنما اختلف في موقع الثالثة، ولذا يقول الشافعي: خطب في اليومين يوم العيد وأول أيام التشريق، وعلى هذا فالخطب عند الشافعي أربع، وعند الجمهور ثلاث.

والله تعالى أعلم.