شرح حديث:(كان رسول الله يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة ... )
قال رحمه الله: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة: ((الم)) * ((تَنزِيلُ)) و ((هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ)) ) متفق عليه] .
كأن المؤلف يقول: صلاة الرجل التي قال عنها أبو هريرة أشبه بصلاة رسول الله، وأنه يقرأ في الصبح بطوال المفصل، ما عدا صبح الجمعة؛ لأن للرسول فيها قراءة مستقلة، ما هي؟ (الم) السجدة، و (هَلْ أَتَى) ، وهل يقرأهما معاً في ركعة أم يقسمها في ركعتين؟ هما سورتان، والصلاة ركعتان، إذاً: كل واحدة في ركعة، وتأتي بعض النصوص في أنه كان يديم ذلك، ويرى بعض العلماء عدم الاستدامة.
ولماذا خص صبح الجمعة بهاتين السورتين؟ لأن كلتا السورتين تتحدث عن خلق الإنسان ابتداءً، وعن مآله انتهاء:{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ}[السجدة:٨-٩] ، ثم بين حالة الإنسان في آخرته وما يؤول إليه، وفي السورة الثانية:{هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}[الإنسان:١-٢] إلى آخر السورة، ويقولون: يوم الجمعة هو يوم خلف آدم، كما أن يوم الإثنين هو يوم محمد صلى الله عليه وسلم، فيوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه أسكن الجنة، وفيه نزل منها، وفيه تاب الله عليه، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يصادفها عبد قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه.
إذاً: يوم الجمعة يدور معه أخبار خلق الإنسان والجنة والنار والبعث؛ فهي فرصة لتقرأ فيها هذه السورة على مسامع المسلم فيتذكر بدايته، ونهايته، ويتهيأ للجنة التي أخرج منها أبوه آدم ليعود إليها، وهكذا السورة الثانية.
إذاً: نستطيع أن نقول: إن هناك اختيار لبعض السور لبعض المناسبات، لكن لا نستطيع أن نقرر أو أن نقول: إن هذه سنة، وهذه بدعة، ولكن هذا من عمل النبي صلى الله عليه وسلم الذي شرعه للأمة، فقد كان يقرأ في الصبح من يوم الجمعة بهاتين السورتين، وتأتي بعض النصوص بالمداومة عليها، ولكن نجد بعض الأئمة لا يداوم عليها، وخاصة أيام الموسم، وإذا سألته قال لك: هناك بعض الناس لا يعرف هذه السورة ولا القراءة فيها، ولم يعودهم أئمتهم، فإذا كبر الإمام وسجد للتلاوة ركعوا، فيكون ساجداً وهم ركوع، وإذا قام من السجود رفعوا من الركوع، وإذا كبر للركوع كانوا هم سجود؛ فيحصل اختلال في الصلاة، فإذا وجدت شدة زحام، والوافدون كثر، وخيف الارتباك؛ فلا مانع من الترك؛ حفاظاً على صحة الصلاة واتباع الإمام، أما في الأيام العادية فلا مانع من قراءتها، وبعض العلماء يقول: لا ينبغي الاستدامة عليها؛ حتى لا يظن العامي بأنها فرض في كل يوم جمعة، وأن صبح الجمعة لا يصح إلا بهما.
فينبغي أن يتبين للناس أنها سنة في هذا اليوم، وأن الغرض منها ليس مجرد السجدة، ولا أن أي آية من آيات السجدة أو سورة من سور السجدة تجزئ، والقرآن فيه عشر سجدات متفق عليها، والباقي مختلف فيها، ولكن المراد موضوع ومضمون السورتين، وهو التذكير ببدأ خلق الإنسان وبعثه ومآله يوم القيامة ليتأهب لذلك، وخاصة في يوم الجمعة الذي تتضاعف فيه الأعمال، ويندب فيه فعل الخير، وهذه من السنة المعمول بها، وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: [وللطبراني من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (يديم ذلك) ] .
هذه الزيادة يأتي بها المؤلف، وهو شافعي المذهب، والشافعية يؤكدون عليها ويرون دوامها، ولو اقتصر على آية السجدة منها فقط لأجزأ، إلا أنه لو اقتصر على آية السجدة فإنه يضيع الغرض المطلوب من قراءة سورة السجدة؛ لأن الغرض هو عرض السورة بكاملها لتمام موضوعها في خلق الإنسان وبعثه.