بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: قال المصنف رحمه الله: [وعن وائل بن حجر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع فرج بين أصابعه، وإذا سجد ضم أصابعه) ، رواه الحاكم.
هنا هيئة الأصابع في حالة الركوع والسجود، يقول وائل بن حجر رضي الله عنه وهو من أمراء اليمن: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع ألقم كفيه ركبتيه، وفرج بين الأصابع.
إذاً: وضع الأصابع على الركبتين حال الركوع تكون مفرجة، ليتمكن من قبض الركبة كاملة، وليس هذا من باب الاستناد على الركبة، ولكنه هيئة من هيئات الصلاة، وهو أدعى لمن يطيل الركوع أن يساعده، وعلى هذا: إذا سجدت فضع كفيك مضمومة الأصابع.
ومن مجموع الحديثين نأخذ هيئة وضع الكفين على الأرض مع الأصابع.
فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقلون لنا من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزئيات: كيف كانت أصابعه حال الركوع مع الركبتين؟ كيف كانت أصابعه حال السجود مع الكفين؟ وقد تكون تلك الحالات خفية؛ فمفرج الأصابع وضامها مسائل لا يدركها إلا من تأملها وقصدها، فهم ينقلون إلينا ذلك حتى إنه ليرى بياض إبطيه، إذاً: هذه صورة من الصور المنقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم تأتي صورة أخرى وقد تكون أدق، وتَقدَّم لنا في قراءة الفاتحة وبعض الآيات أو السورة بعد الفاتحة: أنه كان يقرأ بعد الفاتحة سورة صغيرة أو ما تيسر من القرآن في السرية، أما الجهرية فهي مسموعة، قالوا: كيف كنتم تعلمون قراءته في السرية وأنتم لا تسمعونها؟ قالوا: نعرفها بتحرك لحيته، وكان يرفع صوته أحياناً، فنقلوا لنا تحرك اللحية، ورؤية بياض الإبط، ووضع الأصابع على الركبة، وضع الأصابع عند السجود؛ فهل هذه الأشياء أظهر أم وضع اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع؟ وأيهما أوضح؟ وضع اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع أوضح بلا شك، حتى إن ضعيف النظر يدركها، لكن الأصابع مفرجة ومضمومة واللحية تتحرك لا يدركها إلا من تأملها، وكان قوي النظر.
ولذا نقول: لا تشددوا فيما لم يثبت به أثر، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم مفصلاً، فكل ما جاء في وضع اليمنى على اليسرى هو في حالة القراءة، أما نص صريح ولو حتى ضعيف في أنه كان صلى الله عليه وسلم بعد أن يرفع من الركوع يضع اليمنى على اليسرى، فأعتقد لو بحثا ليلاً ونهاراً فلن نجد ذلك، وطلبنا من الإخوة أن يبحثوا في كتب الحديث والفقه، وأن يأتونا بنص صريح ولو ضعيف على أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع من الركوع وضع اليمنى على اليسرى فلم نجد، وسننتظر لعل الله ييسر لأحد ولو في مخطوطة من المخطوطات.
إذاً: الأمور الفقهية تجمع لها أطراف الصور، وصفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نقلت لنا بهيئاتها، ونعلم أنه إذا لم يقبض بعد الركوع ولا قبل الركوع فالصلاة صحيحة، لكنه ترك هيئة من هيئات الصلاة، أو فعل شيئاً ظنه هيئة من هيئاتها، والذي نؤكد عليه: أنه لا ينبغي لمن رأى وضع اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع وفعل ذلك أن يعترض على من لم يفعل، ولا من لم ير ولم يفعل أن يعترض على من فعل، لماذا؟ لا من جهة الثبوت وعدمه ولكن من جهة صحة الصلاة.