ويشترط التقابض في صرف الذهب بالفضة، الصراف يأخذ الذهب ويعطيه الدراهم في نفس المجلس، وينقل بعض العلماء عن مالك لو أن مصطرفاً جاء إلى الصراف، ودفع إليه الدنانير ليعطيه الدراهم، فلا يجوز أن يفارقه ولو قليلاً إلا إذا مد يده بالدنانير ليأخذها، ومد الآخر يده بالدراهم ليدفعها، في نفس المجلس، ويقول: لو أن الصراف أخذ الدنانير، ودخل دكانه ليفتح صندوقه ويأتي بالدراهم فلا يجوز! سمعتم هذا يا جماعة؟! إذا جاء المصطرف بالدنانير، والصراف قاعد عند باب الدكان، وأعطاه مثلاً مائة دينار، فقال: مرحباً، عندي صرف، وأخذ الدنانير من صاحبها، ودخل إلى مكان في آخر دكانه ليفتح الصندوق، ويضع الدنانير ويأتي بالدراهم، مالك قال: لا يجوز؛ لأنه ما حصل يد بيد، والواجب أن يترك الدنانير مع صاحبها، ويذهب يفتح صندوقه، ويأتي بالدراهم إلى صاحب الدنانير، ثم هاء وهاء، خذ وهات.
فـ مالك لا يقبل تأخير الصرف ما بين أن يذهب إلى آخر دكانه ويأتي، فما بالك إذا جاءه فقال: أروح البيت ثم أمر عليك؟! هذه معاملة ممنوعة في الذهب بالفضة أو الفضة بالذهب.
إذاً:(لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل) ، والمماثلة المعادلة، في الكيل بالكيل، وفي الموزون بالوزن، وفي المعدود بالعد، والذهب والفضة موزونان.
وقوله عليه الصلاة والسلام: [ (ولا تشفوا بعضها على بعض) ] .
الشف: الزيادة أو النقص، والعوام يستعملونها، تذهب إلى الجزار وتقول: أبغى لحماً مشفياً، مشفي يعني: منقوص العظم، زائد اللحم (لا تشفوا بعضها على بعض) ، لا تقل: هذا مصنوع ومصوغ ودقة صفتها وصفتها، وهذا قديم ومكسر ويبغى له صياغة من جديد، لا تشفوا الناقص المكسر القديم على وزنه بالجديد أبداً، تبغى ذهباً بذهب مثلاً بمثل، وما تبغى مثلاً بمثل فبع هذا الذهب بفضة، واشتر ذاك الذهب الثاني بفضة، وتكون الفضة هي الوسيط، وبين الذهب والفضة لا ربا في الزيادة، ولكن يداً بيد.
وقوله عليه الصلاة والسلام: [ (ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل) ] .
الورِق والورَق أو الوَرْقُ: هو النقد من الفضة خاصة {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ}[الكهف:١٩] سبحان الله! يا إخواني! كم استوقفتني كلمة (هذه) ، فالورِق هو عملة، فالأصل أن يقولوا: ابعثوا واحداً بالدراهم التي معكم لينظر لكم طعاماً ويشتريه، لكن التنصيص على (هَذِهِ) إعجاز القرآن أي: الموجودة معكم؛ لأنها هي مفتاح السر الذي سيكشف عنهم، فلما ذهب بتلك الورق التي معهم إلى المدينة، فالناس رءوا هذه العملة قديمة جداً، فسألوه: من أين هذه؟! فالعملة (هَذِهِ) هي التي كشفت عن سر أصحاب الكهف لأهل المدينة! إذاً: الورق هو الفضة نقداً.
وقوله عليه الصلاة والسلام: [ (ولا تشفوا بعضها على بعض) ] .
الفضة حكمها حكم الذهب في جميع التفصيلات السابقة، فإن كانت الفضة تبراً، أو مضروبة دراهماً، أو مصوغة حلياً، جديدة، قديمة، مكسرة، مغشوشة، سليمة، كله إذا كان فضة بفضة فهو مثل الذهب، وزناً بوزن يداً بيد.
وقوله عليه الصلاة والسلام: [ (ولا تبيعوا منها غائباً بناجز) ] ناجز أي: حاضر، فالصائغ عنده الحلية حاضرة، فلا يجوز لك أن تشتريها بدين لك على الصائغ، فهذا بيع حاضر بغائب، ولا يجوز التأخير، فمنع ربا الفضل في الفضة كما منع في الذهب، ومنع ربا النسيئة في الفضة كما منع في الذهب، فالذهب والفضة بنات خالة أو بنات عم.