للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ميزة الإسلام بالزكاة على نظام الضرائب]

وبينت السنة النبوية المطهرة الفرق بين التعامل في المال مع الله سبحانه وتعالى، والتعامل في المال مع الناس، وهذا نقوله للأمم التي تعيش حسب قوانين الضريبة التي يفرضها الإنسان على الإنسان؛ ليروا مدى صدق المسلم في تعامله مع الله في المال، وذلك عندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم عامل الصدقة إلى ضواحي المدينة، فمر بصاحب إبل فوجد عليه فيها بنت مخاض لأنها خمس وعشرون بدنة، فقال صاحبها: بنت مخاض! لا ظهر فيركب، ولا ضرع فيحلب، كيف أقدمها لله؟ ولكن هذه ناقة كوماء -عليها اللحم والشحم مثل الكوم- خذها في سبيل الله.

فقال العامل: لا أستطيع؛ لأنها لم تجب عليك، والذي وجب عليك هو بنت المخاض، فأصر الرجل، فقال: إن كنت لا محالة فاعلاً فدونك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، اذهب بها إليه، فإن قبلها أخذتُها، فجاء مع العامل وعرض عليه ما كان بينه وبين صاحب الإبل، فقال صلى الله عليه وسلم: (أطيبة بها نفسك؟ قال: بلى يا رسول الله؛ لأن ابنة مخاض لا تجزئ شيئاً، لا هي ظهر يركب في الجهاد في سبيل الله، ولا عندها ضرع يحلب للفقراء والمساكين، أما الناقة فتنفع.

فقال للعامل: خذها، وقال لصاحبها: بارك الله لك في إبلك) ، فعاش الرجل إلى زمن معاوية رضي الله تعالى عنه، فكان يخرج العشرات من الإبل في زكاة ماله.

فهذه صورة من صور تعامل العبد مع ربه؛ لأنه يعلم بأن الله هو الذي سيجزيه على ما قدم؛ ولهذا يقولون في نظام الضرائب: إن بعض التجار الكبار يصطنع دفترين: دفتراً يقيد فيه مبيعاته ويقدمه لمفتش الضرائب فيرى فيه أنه خاسر؛ ليخفض عليه الضريبة، ودفتراً خاصاً به يبين حقيقة الربح فيما بينه وبين نفسه.

أما المسلم فليس عليه مفتش ضرائب، عليه معاملته مع الله؛ لأنه عندما يخرج شيئاً من ماله يخرجه إيماناً وتصديقاً بوعد الله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} [البقرة:٢٤٥] فالذي يتصدق صدقة تطوع، والذي يخرج زكاة ماله فهو متعامل مع الله.