وقد بيَّن المولى سبحانه والرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه أن هذا الإمام العادل تجب طاعته، فإذا خرج عن العدالة، وخرج عن منهج القرآن والسنة النبوية؛ فلا طاعة له، كما قال الصديق:(أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم) .
ومن مبادئ المنهج الإلهي في الدولة الإسلامية قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}[النساء:٥٨] ، الأمانات: جمع أمانة، وليست مقصورة على الوديعة التي تودعها أمانة لدى جارك أو صديقك أو أي إنسان ترتضيه، بل كل التكاليف أمانة، فمن الأمانة العبادة بينك وبين الله، كما قال بعض المفسرين في قوله سبحانه:{وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ}[العاديات:١٠] ، قال: ما ائتمنوا عليه غيباً كصحة الوضوء من الحدث، والغسل من الجنابة، فهي أمانة في عنق كل إنسان بينه وبين الله.
والإمام مالك: في مسألة أكثر الطهر وأكثر الحيض وأقله قال: إن الله قد وكل أمر النساء إليهن، يشير إلى قوله:{وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ}[البقرة:٢٢٨] ؛ لأن هذه أمانة بينها وبين الله.
ومن الأمانة وضع الأستاذ الدرجات للطلاب، فالأستاذ حاكم: يعطي هذا خمس درجات، وهذا ستاً، وهذا سبعاً، وهذا كذا يحكم على هذا بالنجاح، ويحكم على هذا بالإعادة؛ فهذه أمانة، فتدريس الأستاذ في الفصل أمانة، فلا يعتني بجماعة ويهمل جماعة، ولا يجيب سائلاً ويترك آخر، وتصحيحه للأوراق أمانة.
والإنسان في بيته مسئول كغيره:(كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته) ؛ لأن الرعية أمانة، فالله يأمركم أن تؤدوا الأمانات، وهي عامة، وأهم أمانة:(الحكم) ؛ لأن الحاكم في الإسلام ليس فوقه إلا الله، وليس لأحد في دولة مسلمة سلطان على القاضي المسلم إلا سلطة المولى سبحانه، كما يسمى حاليًّا (حرية واستغلال القضاء) .
وقوله:{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}[النساء:٥٨] ، أي: سواء بين اثنين أو حكم في أمة.