[شرح حديث: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)]
قال رحمه الله: [وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) متفق عليه، وللترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً) ] .
في الحديث السابق: (إني إذاً صائم) ، جاء عن أبي أيوب وأبي طلحة أنهما كانا يفعلان ذلك، يصبح أحدهم فيسأل أهل البيت: عندكم شيء؟ فإن وجد أكل، وإلا صام، وذلك بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يفيدنا أن إنشاء النية في النهار ليس خاصاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو تشريع عام، بدليل فعل بعض أصحابه رضوان الله تعالى عليهم.
انتهينا من مسألة تبييت النية، وما بعد النية إلا الصوم، وما بعد الصوم إلا الإفطار، فجاءنا المؤلف رحمه الله بآداب الإفطار، فذكر حديث: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً) .
إذا صمنا اليوم، واستقبلنا المغرب، هل نبادر بالفطر أو نتأخر عنه احتياطاً؟ جاءنا المؤلف رحمه الله بهذا الحديث القدسي عن الله سبحانه: (أحب ... ) (أحب) أفعل تفضيل، أصلها: أحبب، وأدغم المتماثلين: (أحب عبادي إلي -يعني: عبادي كلهم محبوبون عندي، لكن أشدهم حباً إلي، وخاصة من الصائمين - أعجلهم فطراً) الذي يتأخر ويقول: أنتظر بعد غروب الشمس قليلاً حتى أتأكد زيادة، وزاد في صومه نصف ساعة من الليل، فصام النهار، وزاد نصف ساعة، فهل هذا أحب إلى الله أم الذي وقف عند نقطة الصفر؟ تأملوا في أصول التشريع، وسيأتي الحديث الآخر: (لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر) ، ما الفرق بين تعجيله وتأخيره؟ وما المشكلة لو جاع الرجل ساعة أو ساعتين زيادة على الوقت المحدد، ففعله هذا على نفسه؟ نقول: لا، قدمنا سابقاً تنبيه العلماء على ضرورة الوقوف عند حد المفروض، ولما سئل مالك رحمه الله: هل يجوز أن يعطي في زكاة الفطر صاعاً وزيادة؟ قال: لا، احص الصاع أولاً وحده، ثم زد ما شئت في غير هذا الحال.
لماذا؟ حتى لا يضيع حد الصاع، ويبقى المشروع محدوداً منتظماً، فإن كان هذا يزيد، وهذا يزيد، وهذا يزيد؛ ضاع الأصل، وهكذا هنا، الله تعالى يقول: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:١٨٧] ، وبمجرد اكتمال غروب الشمس تحقق الليل، إذاً: هذا حدك، فعجل الفطر بعد ثبوت دخول الليل لا أن تتعجل قبل الغروب، فإذا حافظ الإنسان وحافظت الأمة على هذا، ووقفت عند حد الله في هذا العمل؛ ظل هذا العمل محفوظاً بدون زيادة ولا نقص؛ لأنه لا يقبل الزيادة ولا يقبل النقص، ولهذا قال: (أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً) ، وجاء في الحديث: (إذا أدبر النهار من هاهنا، وأقبل الليل من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم) ، وبعض العلماء يقولون: أكل أو لم يأكل، وبعضهم يقول: وجب عليه الفطر، كقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة:٢٣٣] يعني: أرضعن، وهنا قال: (أفطر الصائم) ، وفي بعض الروايات: (ولو لم تجد إلا لحا شجرة فامضغه) ، حتى لا تحسب نفسك على إمساك وصيام؛ لأن الليل ليس وقتاً للصيام ولا يصلح له، إذاً: إمساكك جزءاً من الليل مع النهار ليس إلا زيادة جوع وعطش وليس لك فيه أجر.
فحفظ النهار يكون من أوله من حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ويكون من آخره إذا غربت الشمس.
وجاء في بعض الأخبار والروايات: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر؛ لأن اليهود تؤخر الفطر حتى تشابك النجوم في السماء) .
في وقت الفطور يتوجه للصائم أمران: فطره من صومه وصلاته المغرب، فأيهما يقدم؟ هل يقدم الفطر ثم يصلي أو يقدم الصلاة ثم يفطر؟ يذكر العلماء رحمهم الله عن عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما أنهما كانا يصليان المغرب ثم يفطران، ولا يكون ذلك تأخيراً للفطر لاشتغاله بالركن.
ويذكر ابن عبد البر رحمه الله أن الجمهور على الفطر ثم صلاة المغرب، ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يأكل ثلاث تمرات ثم يصلي المغرب) ، ولعل هذا أقرب؛ لأن صلاته للمغرب إذا لم يفطر ستكون وهو في صيام، وهذا ليس مشروعاً، وفعل عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما يخالف فعل الجمهور، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم مقدم على كل فعل، فهو (كان يتناول ثلاث تمرات ثم يقوم ويصلي المغرب) ، فهذه السنة، ثم العشاء بعد صلاة المغرب.