وعن أنس رضي الله عنه قال:(شهدت بنتاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم تدفن، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عند القبر، فرأيت عينيه تدمعان) رواه البخاري.
من فقه المؤلف رحمه الله في ترتيب الأحاديث، أنه ذكر حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة، ثم أعقبه بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على حافة قبر ابنته فدمعت عيناه.
فكيف يلعن النائحة وعينه تدمع؟ فكأن المؤلف يقول: دمعة العين وبكاء الإنسان على الميت ليس من اليناحة، فإن النياحة قول باللسان.
وبعض النسوة قد تأتي مجاملة، لا هي حزينة ولا أصيبت بشيء، ولكن زوجة الميت صديقة لها أو قريبة لها فتأتي لتنوح مع تلك المرأة مجاملة، أو لأجل أن تقضيها تلك النياحة عند فقد قريب لها.
هذه عادات، ولكن الإنسان من حيث هو بشر يتأثر بالعاطفة، فهذا سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وابنته تدفن، وهو على حافة القبر، فتدمع عينه، وكذلك عن موت ولده إبراهيم عليه السلام، لما بكى ودمعت عينه، قيل له:(أتبكي؟ قال: نعم.
إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون) هل هذا نعي؟ لا.
ولكن تعبير عن الوجدان النفسي، وعن الشعور الإنساني؛ فلا مانع في ذلك.
وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما مثل هذا الموقف، قالوا: أتبكي؟ قال:{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى}[النجم:٤٣] بمعنى: أن الضحك ليس باختيارك، فإنك إذا رأيت شيئاً يضحك وأردت أن تكتم الضحك فإنك لا تستطيع، وكذلك البكاء، لو وجدت منظراً مؤلماً حساساً، فتدمع العين، ويحزن القلب، فإذا أردت أن تدفع هذا عنك لم تستطع؛ لأنها غريزة متمكنة في الإنسان.
إذاً: ما كان بالجبلة وبالغريزة من الحزن في القلب، ومن الدمعة في العين؛ فهذا لا يلام الإنسان عليه؛ لأنه فوق طاقته، المهم فيما يتكلم به وكان يمكن أن يمسك عنه ويتكلم بغيره.
إذاً: المؤلف رحمه الله جاء بهذا الحديث عقب الحديث الذي قبله، ليبين أن التوجع والألم والبكاء ليس من النعي في شيء والله تعالى أعلم.