ولما جاء الإسلام جاء بتقبيل الحجر واستلامه، وقد يعجب المرء من هذا التشريع كيف أن الله سبحانه وتعالى أمر عباده بتحطيم الأصنام، وبإنكار عبادة الحجارة وتعظيمها ثم يأمرهم بتقبيل الحجر، بل يأمرهم أن يطوفوا ببنية الكعبة وهي عبارة عن كتل حجرية! والذي يزيل هذا العجب أنك بعد هذا الفعل تأتي بسنة الطواف التي تقرأ فيها:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}[الكافرون:١] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:١] ؛ لتنفي عنك الشرك، ولتثبت أنك ما قدست الحجر عبادة ولا تقديساً له، ولكن عملت ذلك طاعة لله.
كما جاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال حينما قبّله:(إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) .
ففي هذا تقديم النص والاتباع على العقل، أي: أنا أعلم أنك لا تنفع ولا تضر، ولكن مع ذلك أنا أقبّلك، فلماذا يقبله وهو لا ينفع ولا يضر؟ الجواب: لأن الإنسان لا يسعى في حياته إلا لجلب نفع أو لدفع ضر كما قال الشاعر: إذا أنت لم تنفع فضر فإنما يرجى الفتى كيما يضر وينفع ولهذا قال عمر رضي الله عنه: (لولا أني رأيت) فهو قدم النص على العقل؛ لأن النص معصوم، فإذا كان النص صحيحاً ثابتاً فألغ عقلك، واعمل بما جاء في هذا النص، ولكن نبه عقلك بالتأمل والتدبر.
يقولون في هذا الأثر: إن علياً رضي الله عنه قال: (لا يا عمر! إنه ينفع، فقال له: بم ينفع؟ قال: يأتي يوم القيامة وله عينان ولسان، يشهد لكل من استلمه أو قبّله يوم القيامة.