وقوله:(وقفت هاهنا) تقدم معنا أنه صلى الله عليه وسلم وقف عند الصخرات، وهو الذي يسميه الناس:(جبل الرحمة) وهو الجبل الوحيد المكون من مجموعة صخرات ضخمة وكبيرة، ويوجد في أعلاه علم مبني لبيان مكانه، وقد اختار صلى الله عليه وسلم هذا المكان لأنه ليس في عرفات علامة سوى هذا، ويقول العلماء: إذا خرجت من وادي نمرة، وكان عن يمينك جبال إلى جهة الشرق، وأمامك جبال إلى الشمال وعن يسارك جبال إلى الغرب فكل ما بين دائرة هذه الجبال فهو عرفة، فإذاً: على هذه السعة لا يوجد في داخل تلك الدائرة في أرض عرفات مكان معلم إلا هذا الجبل الصغير، ولذلك لو ذهبت إلى هناك في غير أيام الحج والدنيا مكشوفة فلن ترى إلا هذا الجبل، واختار صلى الله عليه وسلم وقوفه هناك؛ ليكون في مكان معلوم معلم، ولذا لو أن إنساناً كان في آخر طرف من عرفات، وأراد لقاءه صلى الله عليه وسلم وسأل: أين رسول الله؟ وقلت له: هناك عند ذاك الجبل فسيهتدي إليه، ويتأتى أيضاً لكل من قدم حاجاً أن يراه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم حينما أراد الحج قبل أن يخرج أرسل رسلاً إلى العرب على مياههم وقال لهم:(إني حاج هذا العام، فمن أراد أن يحج معي فليوافني) فتوافد الناس إليه فمنهم من جاء إلى المدينة وذهب معه، ومنهم من لقيه في الطريق، ومنهم من أتى إلى مكة، ومنهم من أتى إلى عرفات، والكل يريد أن يراه، أي: لتثبت له الصحبة؛ لأن الصحابي هو: من رآه ولو لحظة وهو مؤمن به ومات على الإسلام، فكل هؤلاء الحجاج يريدون شرف رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً: اختار مكاناً يسهل على الجميع أن يصلوا إليه فيه، وكان في ذلك اليوم على ظهر راحلته؛ ليكون علماً على علم، ولما قال:(خذوا عني مناسككم) فلعل كل إنسان يقول: نأخذ عنه مناسكنا، إذاً: نأتي إلى الموقف الذي وقف فيه ونقف فيه، فبين لهم أن الغرض من الموقف هو الوقوف بأرض عرفات، ولذا نبه الناس أن عرفة كلها موقف، وحيثما وقف الإنسان في أي مكان من أرض عرفات أجزأه، ولهذا قالوا: لو أن إنسانا ًحضر إلى أرض عرفات في زمن الموقف ولو ساعة زمنية ولو ربع ساعة وهو يعلم أنه في عرفات أجزأه، كمن كان مريضاً وهو في حالة إسعاف في المستشفى -عافانا الله وإياكم- فذُهب به إلى عرفات أو مُكث به في عرفات، ثم أعيد إلى المستشفى فإنه يكون قد أدرك الموقف ويجزئه ذلك، وكذلك لو أن إنساناً جاء متأخراً ولم يدرك أرض عرفات إلا قبل فجر يوم العيد بساعة أو نصف ساعة فإذا وقف في أي جزء من أرض عرفات فإنه يكون قد أدرك الموقف.