للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (نهى عن بيع الحصاة)]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.

أما بعد: فقال المصنف رحمه الله: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر) رواه مسلم] .

يسوق المؤلف رحمه الله تعالى هنا حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر) .

الحصاة قطعة من الحجر معروفة عند الجميع، وهي: نوع متميز من الأحجام الحجرية الملساء، وكان يستعمل في العدد، وربما في عصر من العصور كان يستعمل نقداً، وكان بيع الحصاة في زمن الجاهلية أمراً جارياً، وعرفاً جارياً، ولكن كيف كانت الصورة؟ يقول بعضهم: -وهو أقرب للمعنى- هو: أن يأتي المشتري فيجد أمامه عدة سلع متنوعة، مختلفة الأجناس، والأنواع، فمثلاً: علبة كبريت، علبة حلاوة، خيط، مقص.

إلخ، أو ملابس: فنايل، سراويل، قمصان، غتر، وتكون مرصوصة بجوار بعضها، فيقول البائع للمشتري: خذ حصاة، وارم بها، فما وقعت عليه فهو لك بكذا، وهذه الصورة واضحة، وهي داخلة في عموم الغرر؛ لأن الغرر أن تغر الإنسان، ويدخل على أمر مجهول، لا يدري نتيجته، ولا يؤمن فيه الغبن، فهنا: على أي شيء ستقع الحصاة؟ فقد يكون المشتري صاحب حذق وخبرة في الرماية، فيحدد ما يريد، والبائع لا يدري على أي شيء ستقع الحصاة! فقد تقع على منديل يد يساوي ريالاً، وقد تقع على فنيلة تساوي عشرة ريال، وقد تقع على قميص يساوي ثلاثين ريالاً.

إذاً: الغرر من جانب البائع أكثر منه من جانب المشتري، وقد يكون المشتري شخصاً لا يحسن الرمي بالحصاة، فإذا كان كذلك فسيأخذ حصاة ويرمي، ولكنه لا يدري أين تقع؟! فإذا كانت الصفقة على خمسة ريالات، وسقطت الحصاة على ما يساوي ريالاً، كان في ذلك غرر على المشتري، وإذا كانت الصفقة بخمسة ريالات، وسقطت الحصاة على سلعة بعشرة، أو بعشرين ريال، كان الغبن على البائع.

إذاً: هذه الصورة من البيع نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما فيها من الغرر، وهي أحسن ما فُسر به بيع الحصاة.

وهناك من يقول: بيع الحصاة هو: أن تأخذ حصاة في يدك، أو يأخذها البائع، فتساوم -مثلاً- على قميص معين -معروف لك وله- بعشرة ريال، قال: طيب، أتركني أفكر، فمتى أسقطت الحصاة من يدي؛ مضى البيع، طيب، وإذا ما أسقطتها إلى متى ننتظر؟ هكذا يقول بعض شراح الحديث: إن بيع الحصاة هو: أن تربط انعقاد البيع على سقوط الحصاة، أو أن تربط عقد البيع على السلعة التي تقع عليها الحصاة، وفي خارج هذه البلاد يوجد هذا البيع بكثرة لاسيما في الأعياد والمناسبات، خاصة عند الشباب والأطفال، يؤتى بدائرة فيها سهم، وعلى حافة المقعد التي هي عليه، ترص السلع: علبة حلوى، منديل، علبة بسكوت، أشياء متعددة متجاورة، ولها سهم مثل عقارب الساعة، يدار بطريقة معينة، وحيث ما وقف السهم فالسلعة التي أمامه لمن أدار السهم، علماً بأنه لا أحد يدري على أي شيء سيقع السهم -لا اللاعب ولا صاحب اللعبة- وربما وقف على سلعة تساوي هللة، وربما وقف على سلعة تساوي ريالاً، وأنت وصاحب اللعبة، لا تدرون أين سيقع! فهو داخل في هذه العملية، وداخل في هذا النهي، لماذا؟ لأن فيه جهالة، وفيه غرراً، ومقامرة، فلا يجوز هذا اللعب، ولا يجوز هذا البيع، هذا ما يقال في بيع الحصاة.