يقول العلماء في هذا الحديث: النهي معلل؛ وذلك أن دفن الميت ليلاً كان من الصعوبة بمكان، فلم يكن هناك وسائل إضاءة تمكن الذين يدفنون الميت من أداء الواجب على الوجه المطلوب، وقد تقدم:(أن قوماً مروا على المقبرة فوجدوا ناراً، فيمموها، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر يقول: ناولوني ميتكم.
الحديث) وكانوا يشعلون السعف، فكانت وسائل الإضاءة كما هي اليوم في الأرياف والبوادي نار الحطب، فربما يكون الدفن ليلاً مدعاة إلى التقصير في حق الميت.
إذاً: لا ينبغي التعجل بالدفن ليلاً، وإذا كان ممكناً بدون أن يلحق الميت شيء؛ فإنه يؤجل إلى الصباح ليتمكن الناس من تجهيزه كاملاً، ومن دفنه على ما ينبغي.
ويجوز أيضاً تأخير دفنه لانتظار حضور من يعز عليه من أقاربه أو من الصالحين الذين يحضرون ليصلوا عليه، ويدعوا له ويشيعوه ويحضروا دفنه.
هذا وقد دفن الصديق رضي الله تعالى عنه ليلاً، ودفن عمر رضي الله تعالى عنه ليلاً.
إذاً: إن تمت إجراءات التجهيز كاملة، ولم يبق إلا مجرد ظرف الزمن من ليل أو نهار، فليس هناك مانع من الدفن، ولكن قوله:(إلا أن تضطروا) : الاضطرار يكون إما لخوف، وهذا يكون في الأحوال السياسية الاضطرارية، حيث يكون الميت له أعداء، فيريد أهله أن يواروه قبل أن يشعر به خصمه أو عدوه، أو أن يكون الوقت حاراً، ويكون الميت قد توفي -مثلاً- في الظهيرة وتأخر تجهيزه، ولا يمكن أن ينتظر به إلى النهار لحرارة الجو، وعدم احتمال الجثة الانتظار.
فإن لم يكن هناك اضطرار، ولم يفرغوا من تجهيز الميت تجهيزاً يليق به، فلا يدفن ليلاً وينتظر به إلى النهار، وكذلك إذا كانت هناك عوامل أخرى للتأخير، ولكن في حدود عدم مضرة الميت.
ومن دواعي الانتظار كما أشرنا إلى ذلك، حضور أقاربه، أبنائه، وأصدقائه الصالحين وغيرهم من معارفه الذين: يحضرون فيكاثرون الصلاة عليه، ويدعون له، ويشيعونه ويدفنونه.