الحجر نوعان: حجر بإفلاس، وحجر بسفه، فلو أن إنساناً ما عليه ديون، ولا أحد يطالبه بشيء، لكنه يبذر ماله يميناً ويساراً، ويضيع ما معه، فهذا سفه، فهل نتركه يضيع المال أو نحجر عليه؟ نحجر عليه، خلافاً لـ أبي حنيفة، والأئمة على أن الموسر الذي ماله كثير ولكن عقله قليل، فهو ينذر المال ويتلفه، نحجر عليه، وكأننا نضعه في حجرة.
كان في زمن عمر رضي الله تعالى عنه رجل يدعى أسيفع، وكان هذا الرجل مغرماً بالدعاية والفخر، فإذا جاء وقت الحج اختار أسرع الإبل من أجل أن يسرع بعد الحج ويأتي إلى المدينة قبل الحجاج، فيقال: سبق أسيفع الحجاج، وكل سنة يريد شيئاً أحسن من شيء، فتكاثرت عليه الديون، فأخبر عمر رضي الله عنه بخبره، فخطب في الناس وقال: أيها الناس! إن أسيفعاً قد رضي من دينه ومروءته أن يقال: سبق أسيفع، وقد لحقه الدين، فمن كان له عليه دين فليأتنا غداً، وباع عمر رضي الله تعالى عنه الموجود من أمواله وسدد الغرماء، فهذا كان يضيع المال في غير محله، فهذا هو السفه، فإذا وجد إنسان كبير عمره ثلاثون أو أربعون سنة، أو أكثر أو أقل، لكنه لا يضع المال في محله ويبذره فإنه يمنع من التصرف في ماله لحفظه، قال الله:{إن الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}[الإسراء:٢٧] .
والصبي الصغير إذا كان يمتلك مالاً ميراثاً أو هبة أو غير ذلك، لو تركناه وماله سيبذر فيه، فليس عنده كامل الأهلية في التصرف في ماله، ولا يعرف ما ينفعه وما يضره فيه، فهو قاصر الأهلية في المال، فلا نتركه يضيع المال وعندما يكبر يقول: أعطوني! لا، فمن الآن نحجر عليه، فالسفيه في التصرف بالمال والصبي الصغير يحجر عليهما.