[شرح حديث:(نهى رسول الله عن بيع الصبرة من التمر...)]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
وبعد: قال المصنف رحمه الله: [وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر التي لا يعلم مكيالها بالكيل المسمى من التمر) رواه مسلم] .
هذه صورة من صور الربا، وتقدم التنبيه على أن الربا بضع وسبعون باباً، فهو أبواب متعددة، فبيع الجمع بالجنيب نوع من الربا، ومن الربا بيع جنس بجنسه متفاضلاً كبر ببر، وهنا لا يوجد تفاضل في الجنس، فما هي الصبرة؟ الصبرة من كل شيء: المجموع المكوّم، تأتي مثلاً بكيس البر، وتفرغه في الأرض، ثم بكيس آخر، وآخر.
حتى يصبح بشكل هرمي من البر، وكذلك من التمر، فهذه هي الصبرة، والأصل في بيع الصبرة أن يكال، فنقول لصاحبها: أبغى صاعين.
أبغى ثلاثة، أبغى خمسة.
، ومالك ذكر في الصبرة أحكاماً عديدة، وقد نبهت سابقاً أن من أراد الجزئيات الدقائق جداً في الربا فليرجع إلى موطأ مالك، وإلى الباجي في شرحه.
نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع هذا الصبرة بجنسها كيلاً، مثلاً يقول الرجل: يا صاحب الصبرة! هذه الصبرة تمر أو بر؟ قال: تمر، فيقول: أشتريها منك بخمسين صاعاً، والزائد من الخمسين لي، والناقص علي؛ لأنه لا يمكن أن نحكم أن الصبرة خمسين صاعاً ما تزيد تمرة ولا تنقص، فتحتمل الزيادة والنقص، فيقول: آخذها على حظي، آخذها بخمسين صاعاً، وإن وجدتها إحدى وخمسين، أو خمسة وخمسين، أو ستين، فالزائد لي، وإن وجدتها أربعين، أو خمسة وثلاثين، فالناقص عليّ، وما أنا مطالبك بشيء.
يوجد تراض وتسامح بينهما، لكن تراضي المتعاقدين لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً؛ لأن كل المعاملات تكون عن تراضٍ، حتى الذي يكتب سنداً بأنه اقترض ألفاً، ويرده ألفاً ومائتين، ويوقع عليه؛ فهو راضٍ بذلك.
إذاً: لا كما يقول القانونيون سابقاً: العقد شرعة المتعاقدين.
ثم عدلوا في هذه القاعدة وزادوا: ما لم يخالف قانوناً، إذاً: العقد شرعة المتعادقين ما لم يخالف الشرع، ونحن بحمد الله قانوننا الشرع، فما المانع في هذه الصورة أن يصحح بيع الصبرة مجهولة الكيل بكيل معلوم محدد؟ المانع أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل.