قال رحمه الله: [وعن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله! إني أجد فيّ قوة على الصيام في السفر، فهل علي جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه) رواه مسلم، وأصله في المتفق عليه من حديث عائشة أن حمزة بن عمرو سأل] .
هذا الحديث هو الفصل في المسألة السابقة، هذا الصحابي يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: أجد في نفسي قوة على الصوم، فهل علي من حرج إن أنا صمت؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم بأنه لا حرج عليك، والذين يقولون بأن الفطر أفضل قالوا: غاية ما في هذا الحديث أنه رفع عنه الحرج، أما الفطر فلا حرج فيه، ولكن يقول العلماء: جواب النبي صلى الله عليه وسلم: (لا حرج عليك) ، إنما هو مطابق لسؤال السائل؛ لأن السائل قال: فهل علي من حرج؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم بمقتضى سؤاله:(ليس عليك من حرج) ، وكونه ليس عليه من حرج لا يمنع أن يكون فعله أفضل.
إذاً: هذا الحديث يكفي في الدلالة على صحة الصوم في السفر.
كان في حياة والدنا الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه نزاع شديد جداً بين بعض الإخوة من طلبة العلم في أنواع المناسك، بعضهم يقول: لا يصح إلا التمتع فقط، وكانت هناك مباحثات، وتوسعت، فبعض المشايخ سأل والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه في الفسحة الوسطى: أيهما أفضل من الأنساك الثلاثة؟ فقال: الأفضلية أمرها هين، ولكن يجب أن نعلم جميعاً أن المناسك كلها صحيحة، وليس هناك منسوخ منها، أما الأفضلية فبحسب ما ترجح عند البعض، والأئمة رحمهم الله اختلفوا فيما هو الأفضل، فـ الشافعي ومالك فضلا الإفراد، وأبو حنيفة فضل القران، وأحمد فضل التمتع، وهذه مسألة جانبية.
فنحن كذلك هنا يهمنا في هذا الحديث الذي رواه مسلم، وله أصل في الصحيحين -أي: في البخاري ومسلم -، أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز للرجل الذي يجد في نفسه قوة أن يصوم في السفر.
ثم نحن نأتي بسؤال عام: هل فطر المسافر والمريض أصل التشريع أم رخصة بعد الشدة؟ إنما هي رخصة، إذاً: إذا كانت هناك رخصة وهناك عزيمة، والمكلف يستطيع أن يأخذ بالعزيمة، فأيهما أولى في التشريع؟ الأصل في ذلك العزيمة، وإنما ينتقل إلى الرخصة حينما يعجز عنها، فمثلاً الوضوء والتيمم، فالتيمم رخصة للمريض وعادم الماء، والأصل إنما هو الماء، وإنسان سليم معافى وعنده الماء فليستعمله، وهل يحق له أن يذهب للتيمم؟ لا؛ لأن التيمم رخصة عند انعدام الماء، فكذلك الصوم في السفر والفطر في السفر، الصوم عزيمة، والفطر في السفر رخصة إذا احتاجها، والرخص لا يعمل بها إلا عند الحاجة، والله تعالى أعلم.