قال رحمه الله: [وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب) رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة] .
حديث أم سلمة السابق في كيفية الغسل، وماذا تفعل المرأة في شعرها؟ وحديث عائشة هذا من أحكام الجنابة، وكان من حقه أن يكون مع حديث المنع من قراءة القرآن ونحوه، ونص الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الأمر خرج على الناس، وكانت البيوت المجاورة للمسجد مفتحة أبوابها إلى المسجد، وطريقهم إلى بيوتهم من المسجد دخولاً وخروجاً، فأمر بتحول هذه الأبواب عن المسجد.
ولما أراد عمر أن يوسع المسجد، أراد أن يشتري من العباس داره فامتنع وقال: إنها دار أقطعنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أبيعها، فألح عليه عمر؛ لأن المسجد ضاق على المسلمين، ولا سبيل إلى التوسعة من المشرق، وأما جهة المغرب ففيها حجرات أم المؤمنين، وقال له عمر: إن بعتني أعوضك عنها الثمن التي تريد، أو أعطيك أرضاً أينما تريد، وأبني لك داراً فيها كيفما تريد، قال: لا، لا أعطيكها أبداً، وأخيراً قال: سآخذها، قال: لأنك أمير المؤمنين؟ لن تأخذها! قال: اختر من شئت نحتكم إليه، فاختاروا أبي بن كعب، وتحاكما إليه، وذكرلهما قصة بناء بيت المقدس، وأن الله أوحى إلى نبيه داود: أن ابن لي بيتاً، قال: يارب! وأين أبنيه لك؟ قال: حيث ترى الفارس المعلم شاهراً سيفه، فأرسل الله له ملكاً في صورة فارس شاهراً السيف واقفاً في حوش، فضرب داود عليه السلام صاحب الحوش بيده وقال له: ثامني على حوشك، قال: اشتر، قال: بمائة ألف، قال: بعتك، ثم قال: يا نبي الله! أستنصحك: الثمن خير أم الأرض؟ قال: لا، الأرض خير، قال: أقلني.
قال: أقلتك، قال: مائتي ألف، قال: بعتك، ثم قال: أستنصحك، الأرض خير أم الثمن؟ قال: الأرض، قال: أقلني، قال: أقلتك، قال: ثلاثمائة، وهكذا خمس مرات حتى وصل الثمن إلى خمسمائة، ثم قال له نبي الله داود: سل ما شئت أقدمه إليك؛ لأني أريد أن أبني فيه بيتاً لله، قال: أو تفعل؟ قال: نعم، قال: تملأ علي بيتي نعماً؛ إبلاً وبقراً وغنماً، فنادى نبي الله داود في بني إسرائيل: أن املئوا له بيته إبلاً وبقراً وغنماً، ولما جاء الليل ذهبوا إليه في بيته يهددونه، فلما أصبح قال: يا نبي الله! أبيعاً أم غصباً؟ قال: بل بيعاً، وسأله: ما الذي حصل؟ قال: إن بني إسرائيل جاءوني وهددوني بكذا وكذا، قال: لا، بيعاً ورضاً، فقال: يا عمر أتأخذه غصباً من العباس؟ قال: لا آخذه غصباً، ولكن يتخير العوض الذي يريده، قال: لا أريد، قال: إذاً انتهينا، فعندما خرج عمر استوقفه العباس وقال: انتهيت؟ قال: نعم، قال: لا سبيل لك علي، قال: نعم، قال: إذاً: البيت تبرعاً مني لمسجد رسول الله وللمسلمين عامة، قال: ولماذا من قبل؟ قال: في الأول كنت تأتي بسلطانك وسلطتك، فامتنعت عليك، والآن بالرضا وبالطيبة أنا أقدمه للمسلمين توسعة للمسجد.
ودار العباس كانت بالجهة الغربية، وكذلك دار أبي بكر رضي الله عنه، وكان في الجهة الشمالية بعض حجر زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحجر أخرى لأناس، وقد كانت أبواب تلك البيوت المبنية حول المسجد كلها مشرعة إلى المسجد، وكان طريق أهلها إلى بيوتهم من المسجد، ففي آخر الأمر نادى صلى الله عليه وسلم -كما جاء في رواية عائشة - بأعلى صوته:(حولوا هذه الأبواب عن المسجد) ، ومن الغد لم يحصل شيء، وانتظروا لعله يأتي تغيير لهذا الأمر أو تأتي رخصة، ثم من الغد وقف ونادى بأعلى صوته، ولم يفعل أحد شيئاً، وفي اليوم الثالث قال:(حولوا هذه الأبواب عن المسجد، فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب -ثم استثنى- إلا باب أبي بكر) .
وحد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المؤشر عليه بالتاج الأخضر المقابل لمجلسنا الآن: هذا حد مسجد النبي، وبعد عودته صلى الله عليه وسلم من غزوة خيبر، قال صلى الله عليه وسلم:(حولوا هذه الأبواب عن المسجد، فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) ، والعلة أنه عندما تكون البيوت مشرعة أبوابها إلى المسجد، والبيوت فيها الجنب والحائض فيمرون من المسجد للوصول إلى بيوتهم، فلما تتحول تلك الأبواب إلى الخارج يستقلون عن المسجد، وتكون البيوت بأبوابها خارجة عن المسجد، إلا بيت أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وقال بعضهم: كان بيت عمر وبيت عثمان وبيت العباس كلها مشرعة إلى المسجد، فكلها تحولت، وبقيت خوخة أبي بكر.
وبعضهم قال: هذا من التنبيه ولفت الأنظار إلى مكانة أبي بكر وقوة ارتباطه برسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً:(إني لا أحل) معناها: أن المسجد حرام على الحائض وعلى الجنب.