[العطية لا يثبت تملكها إلا بالقبض]
وهنا: اتفق العلماء على أن الهبة والصدقة والعطية لا يثبت تملكها لمن وهبت إليه أو منحها إلا بعد القبض.
وبعض العلماء يقول: الهبة تصح ويقع التمليك لها بمجرد العقد، وعند الحنابلة التفصيل بين المنقول من مكيل وموزون وحيوان، وبين الثابت من عقار وغيره، فقالوا: لا تثبت الهدية في المنقولات إلا بالقبض، وما عداها تثبت بالتخلية، وقالوا: إن الصغير يقبض عنه وليه؛ لأن الصغير ليس أهلاً للقبض، وكذلك القبول، قالوا: ويشترط في صحة الهبة قبول الموهوب إليه وقبض الهبة التي وهبت له.
واستدلوا في صحة الهدية بالقبض بحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، بأن أباها كان قد منحها جذاذ خمسين وسقاً، فلما لم تحزه، ومرض مرض الموت قال: (يا ابنتي! والله لا أحد أعز علي فقراً من بعدي منكِ، ولا أحد أحب إلي غنىً من بعدي منكِ، وكنت قد نحلتك جذاذ خمسين وسقاً ولو كنت حزتيه لملكتيه) ، وفي رواية: (ولو كنت حرثتيه لملكتيه) فعلى رواية: (حزتيه) يكون الفرض جذاذ خمسين وسقاً من تمر جاف بذاته، وعلى رواية: (حرثتيه) يكون قد منحها نخلاً يؤتي ثمرة مقدار خمسين وسقاً، وعلى كلا الحالتين لما لم تقبض ما منحته -سواء كان تمراً موثقاً أو نخلاً يأتي بهذا القدر من الأوسق- فإنها لا تملكه.
ثم قال: (وهو الآن مال وارث فاقتسموه أنت وأخواك وأختاك) ، أي: أسماء وبنت أخرى من امرأة كان تزوجها بالمدينة، وكان يسكن معها في السنح، قالت: (أي أختين يا أبي وليس لي إلا أخت واحدة؟ قال: ابنت زيد بن فلان، إنها حامل وأراها حامل بأنثى) فجاءت كما قال رضي الله عنه، فقالوا: لو لم يشترط القبض في الهدية والهبة لنفذت هبة أبي بكر لابنته عائشة، ولما لم تقبضها رجعت الهبة إلى مال الواهب وأصبح مال وارث.
فهنا بشير لما منح ولده أولاً البستان يقولون: الوالد لا يقبض عن ولده إلا إذا كان في النقدين، فإذا كانت الهبة من النقدين الذهب والفضة، قال مالك: لا يصح للوالد أن يقبض لولده هبة الذهب والفضة، ولو حتى عزلها وختمها وأبعدها عن ماله مميزة عنه، ولكن يشترط أن يخرجها من تحت يده، ويجعلها تحت يد رجل أمين تكون عنده؛ مخافة فيما بعد: فلو مات الواهب-والحال أنه كان قد وهب ولده جزءاً من المال وبقي المال تحت يده في صندوقه مع عموم ماله- لربما ادعى الورثة أنه مال أبيهم، وأنه في التركة، لكن عندما يخرجه إلى يد غيره لا يمكن أن يدعوا ذلك.
إذاً: لابد من اشتراط القبض في الهبة، والقبض كما يقال: إن كان مكيلاً أو موزوناً أو منقولاً فبنقله عن مكانه، وإن كان ثابتاً فبالتخلية بينه وبين الموهوب له.
وهنا عمرة بنت رواحة لما قالت: لا أقبل، سبب ذلك أنه كان قد سبق من زوجها أن منح ولدها النعمان ثم رجع في منحته، ويقولون: إنه وإن كان يقبض عن الصغير إلا أن للوالد أن يرتجع في هبته لولده، وليس هذا لغير الوالد من جد أو أخ أو عم أو غير ذلك.
واختلف في الأم هل لها أن ترجع في هبتها لولده؟ فالحنابلة عندهم رواية عن أحمد رحمه الله: أنها لها ذلك لقوله: (اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم) والأم والدة.
وعند المالكية أن الأم لا تملك حق الرجوع في الهبة؛ لأن الوالد له ولاية على الولد، وهذه ليست موجودة للأم عليه، وجاء النص: (أنت ومالك لأبيك) وهل تلحق الأم بذلك أم لا؟ قالوا: وإن لحقت به في الأخذ من مال ولدها لحاجتها، فلا تلحق به في حق استرجاعه مما أعطى ولده.