يجب أن ننتبه إلى ما نحن عليه اليوم، خصوصاً مع هذه الأجهزة المخترعة الجديدة التي لم تكن من قبل، وتستغرق منا أكثر من نصف الليل، أو إلى ثلث الليل، والناس حولها وهي تشغلهم وتلهيهم، فإذا ذهب أحدهم لينام لا يوقظه إلا حر الشمس، فهذا تفريط منه، لكن إذا اضطر الإنسان للسهر كأن جاءت مناسبة أو كان عنده مشكلة سهر لها، أو عنده ضيوف أو كان عنده مريض سهر عليه؛ فينبغي أن يعمل الاحتياط من أجل صلاة الصبح، مثل الساعات المنبهة التي فيها الجرس أو ساعة التلفون أو أي وسيلة من الوسائل التي توقظه لصلاة الصبح.
وعمل هذه الاحتياطات من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد رجع مرة من بعض الغزوات، وعرس بآخر الليل في بعض الأودية، وقال:(من يكلأ لنا الصبح؟) فقال بلال: أنا يا رسول الله! والمعنى: من يحرسه ويوقظنا حينما يرى الفجر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم علم بأنهم في عودة من غزوة بعد سفر طويل، والتعب موجود، فيخشى أن يغلب عليهم النوم ولا يستيقظون من شدة التعب حتى يطلع الفجر ويخرج الوقت، فاتخذ وسيلة لحفظ الوقت بحسب ظروفهم.
(فجلس بلال وقام يصلي ما شاء الله، ثم أناخ راحلته، وأسند ظهره عليها ووجهه إلى المشرق ليرى الفجر، فما كان منه إلا أن نام، وناموا جميعاً، وما أيقظهم إلا حر الشمس، ففزعوا وكانوا يتحاشون أن يوقظوا رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا كان نائماً، مخافة أن يكون في حالة من تلقي الوحي، لكن عمر رضي الله تعالى عنه أخذ يكبر بصوت مرتفع حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى أن الشمس قد ارتفعت قال: اركبوا، حتى خرجوا من ذلك الوادي، ثم نزلوا فتوضئو وأمر بلالاً فنادى للصلاة ثم أقام فصلى بهم، ولما رأى استياء الناس قال: إن بهذا الوادي شيطاناً، فمن نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها حين يذكرها، ثم قال لـ أبي بكر: يا أبا بكر! إن بلالاً قام يصلي من الليل ما شاء الله ثم جاءه الشيطان يهدهده كما تهدهد الأم طفلها حتى نام، ثم قال لـ بلال: أين الصبح يا بلال؟! قال: أخذ بروحي الذي أخذ بأرواحكم -أي: أنا واحد مثلكم- ثم قال: ماذا جرى عليك؟ فذكر له مثل ما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام لـ أبي بكر رضي الله تعالى عنه، فقال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله) .
الشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما علم أنهم مظنة أن يغلبهم النوم، لما لحقهم من مشقة السفر وعودتهم من الغزو وتأخرهم في النوم؛ أوكل من يوقظهم لصلاة الفجر، ولكن الله أراد شيئاً آخر؛ أراد أن يوقع ذلك بهم في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبين لنا ماذا نفعل إن وقع لنا مثل ذلك، فهل نصليها بعد وقتها؟ وهل نجتاز ذلك المكان لكونه فيه شيطان؟ إذاً: الشياطين في بيوت الناس كلهم.
قال ابن عبد البر: الإخبار بأن الوادي فيه شيطان أمر خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم، فالله أخبره بذلك، أما نحن فقد يكون الشيطان معنا ولا ندري، وليس بلازم على من وقع عليه مثل ذلك في مكان أن يخرج منه، بل يصلي الصلاة حينما ذكرها أو قام عنها.