الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب) أخرجه أبو داود، وصححه ابن حبان] .
تقدم شيء من الكلام على الصلاة في النعلين، وجاء المؤلف رحمه الله تعالى تبعاً لذلك بهذا الحديث، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(إذا وطئ أحدكم الأذى بنعليه فطهورهما التراب) ، والحديث المتقدم هو:(إذا أتى أحدكم المسجد فلينظر أسفل نعليه، فإذا رأى أذى أو قذراً فليمسحهما في التراب وليصل فيهما) ، وهما دليلان على طهارة النعل بالمسح بالتراب.
والأذى والقذر حمله بعض العلماء على النجاسة، والتحقيق أنهما أعم من كونهما نجسين، قال البيهقي: يحتمل أن يكون الأذى من الطاهر المستقذر، كما يقولون عن الطين الذي في الطريق: هو أذى مع أنه طاهر.
وقال الشافعي رحمه الله: اليابس من القذى أو الأذى أو ما هو أخص كالنجاسة يطهر إذا ذهبت منه العين، وذهب اللون، وذهبت الرائحة.
أما إذا كان النعل به أذى أو قذى -على المعنى الأعم أو المعنى الأخص- رطباً فيقول الشافعي رحمه الله: لا يطهره إلا الماء.
وجاء عن مالك رحمه الله تعالى أن الحديث محمول على ما يستقذر في اليابسات، فإذا مر على يابس مستقذر وعلق شيء منه، فإنه إذا مر على يابس آخر طهره، كما جاء في إطالة ذيل ثوب المرأة، فإن اليابس الآخر الطاهر سيستخلص ما علق بذيل المرأة من الأذى أو القذى اليابس، ولن يبقى شيء هناك.
وقد حكى مالك رحمه الله الإجماع على أن النجاسة لا تطهر إلا بالماء، خلافاً للإمام أبي حنيفة رحمه الله الذي يقول: إن كل مائع طاهر يزيل النجاسة لأن النجاسة عنده حكم ظاهر المراد إزالة عينها، والجمهور أنه تعبدي، ولا يستعمل في إزالة النجاسة إلا الماء، ومن هنا قال البيهقي: يحتمل أن يكون الأذى أو القذى هو كل طاهر مستقذر.
ويقول الآخرون: لو أن إنساناً لم يلبس النعل، ومشى حافياً، ووطئ الأذى أو القذى، وكان في هذا الأذى أو في هذا القذى نجاسة، فهل تطهر قدمه بدلكها في التراب، أم يتعين عليه غسلها؟ قالوا: إن النجاسة في الثوب والبدن لا يزيلها إلا غسلها بالماء، وكذلك النجاسة إذا كانت معروفة بالحواس، فإما أن تعرف بالرؤية بلونها، أو بالشم برائحتها، أو بالجرم بالعين، فلا بد من إزالة عينها وإزالة رائحتها وإزالة لونها، وإلا فلا يصح أن يصلي بهذه النعل.