[حديث النتر عند البول وكلام العلماء عليه]
[قال: وعن عيسى بن يزداد عن أبيه رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث مرات) رواه ابن ماجة بسند ضعيف] .
هذا أدب من الآداب، ولاحظوا هذا الترتيب فإن المؤلف دقيق جداً! فإنه ذكر لنا في حالة قضاء الحاجة أن نجلس على اليسرى وننصب اليمنى، وأن ذلك يساعد على إخراج الفضلات، ثم يعقبه بهذا الحديث -وإن كان ضعيفاً- (إذا بال أحدكم فلينتر ذكره) .
(ينتر) بمعنى: يحرك طرف ذكره؛ لكي يخرج ما يمكن أن يكون في قصبة الذكر من بقايا البول، ولكن لما كان هذا الحديث ضعيفاً، وهذا الفعل فيه تكلف ولسنا مكلفين به في شيء، ولا يكون نجساً تجب طهارته إلا إذا خرج عن خارج الجسم، وقبل أن يكون خارج الجسم فالمثانة تكون مليئة بالبول وهو قائم يصلي، فهذا داخل الجسم لا تكليف في ذلك، ولذا قالوا: إن المبالغة في نتر الذكر قد تؤدي إلى سلس البول، وعند التحقيق نجد أن سلس البول سببه ضعف العضلة العاصرة، فالعضلة العاصرة عند البول، والعضلة العاصرة عند الغائط وظيفتها أنها تمسك ولا تخرج شيئاً إلا بإعطاء تعليمات لها من المخ بأن ترتخي ليخرج البول أو الغائط، فهي تعتصر وتمنع أن ينزل من البول شيء إلا إذا استرخاها العقل وقال لها: اتركي الاعتصار ليخرج البول في طريقه، وكذلك العضلة العاصرة للغائط تمسك المخرج حتى لا يخرج شيء إلا عند إرادة ورغبة الإنسان.
وقالوا: إن استعمال نتر الذكر بكثرة قد يؤدي إلى ضعف تلك العضلة، فلا تقوى على الاعتصار، فيتفلت منها بعض قطرات البول، ويصبح مبتلى بالسلس.
ويقولون: إن بعض السلف كان يفعل ذلك، فأصيب بهذا فترة، وبعضهم سمع حديث: (استنزهوا من البول) فكان يأخذ زجاجة، وإذا دخل الخلاء يفرغ بوله في تلك الزجاجة، ثم إذا خرج تخلص منها، فقال له ولده بلطف: يا أبت! لماذا تفعل ذلك؟ قال: تحفظاً من البول قال: هل فعل ذلك رسول الله؟ قال: لا.
قال: هل فعل ذلك خلفاؤه الراشدون؟ قال: لا.
قال: هل فعله أحد من أصحابه الكرام؟ قال: لا.
قال: ألا يكفيك ما يكفيهم؟ قال: بلى -والله- وتركها وقال: الحمد لله الذي جعل هدايتي على يد ولدي.
فالمبالغة في هذه الأمور قد تزيد عن حدها، فالذي يتحفظ من البول ليستنزه منه فوق العادة قد يؤدي به ذلك إلى الوسوسة، ويخرجه عن حد الطاقة العادية، والذي ينتر ذكره ليخرج ما بقي هذه أيضاً قد يكون فيها مبالغة، ولكن إذا كان الإنسان مبتلى بالسلس وبقي شيء ولا يمكن أن يخرج إلا بهذا الأمر فلا بأس.
وهناك مسألة تتعلق بخروج المني بعد الغسل: إذا انفصل المني عن الصلب ولم يخرج إلى الخارج ثم خرج بعد الغسل، هل يعيد الغسل أم لا؟ فقوم قالوا: لا غسل عليه لأنه لم يخرج من الخارج.
وقوم قالوا: إذا تحرك من مكانه ففيه الغسل، ثم إذا خرج بعد ذلك هناك من يقول: يغتسل؛ لأنه خرج إلى الخارج.
وهناك من يقول: لا يغتسل؛ لأنه اغتسل منه من قبل.
ويتفقون على أن الإنسان بعد أن يخرج المني يستحسن له أن يريق البول؛ لأنه إذا كان في القصبة شيء من بقايا المني فإن البول يزيله، لا لأنه نجس يطهر محله؛ فالمني طاهر عند الجمهور، ولكن حتى لا يبقى في ذلك المكان، وربما يحصل التهاب في المكان الذي بقي فيه، وإذا جاء البول وأخرجه أخلى المحل من آثاره وسلم من آفاته.
فماذا تعمل المرأة، وليس عندها طريق في الاستنتار، إذاً الغرض من هذا أن يتأكد الإنسان قبل أن يقوم من مكانه بأن بوله قد انتهى، ولاسيما الذين أصيبوا بمرض (البروستاتا) فقد تضغط على الحالب، أو تجعل البول ينزل ببطء، فيظن أن البول قد انتهى، وإذا قام فإذا بشيء يسبقه.
إذاً: الغرض من أن ينتر الرجل ذكره هو التأكد من أنه قضى بوله وانتهى، وقد جاء في حديث الأعرابي: (لا تزرموه) أي: اتركوه لينزل البول بطبيعته.
وعلى كل: فالحديث سنده ضعيف، والجمهور لم يأخذوا به، والغرض منه التأكد من إنهاء عملية إراقة البول كاملة؛ حتى لا يبقى شيء في الطريق إذا قام وتحرك نزل عليه وعلى ثيابه، والله تعالى أعلم.