وأذكر كلمة قالها الدكتور أحمد شاكر - غفر الله له- في تعليقه على هذا الحديث في مسند أحمد، فقد ذكر أنه ناقش بعض زملائه الدكاترة، وحصلت بينهم مكاتبات في هذا الحديث، وكان زميله يتكلم بناحية عقلانية، فقال له الشيخ أحمد شاكر: لسنا بهذا الحديث ندعو إلى التعامل مع الذباب، ولكن الإسلام دين نقاء ودين طهارة ونزاهة، وينبغي لنا أن نحترز من الذباب، ولكن الحديث علمنا الحكم فيما لو وقع الذباب، وليس معنى هذا أننا نستجلب الذباب لطعامنا، أو أننا نترك الأقذار على أبداننا، أو نترك الذباب يسقط على وجوهنا، فالإسلام أرقى الأديان نظافة، ففيه الوضوء خمس مرات، والغسل عند الجنابة، ويوم الجمعة، وغير ذلك.
إذاً: ليس الدفاع عن هذا الحديث معناه أننا نتلاءم ونتعاون مع الذباب في حياتنا، إنما هو دفاع عن السنة النبوية؛ لأننا وجدنا في الوقت الحاضر أن بعض الأطباء ينكر هذا، وأحدهم نشر ثلاث منشورات -وهي موجودة عندنا- يتهكم فيها بهذا الأمر، ويستبعده جداً إلى حد بعيد، فإذا كان المثقف والمتعلم والطبيب يصل إلى هذا الحد، ويضل بعض قاصري العقول، ويشككهم في السنة، فهذا أمر مشكل.
وكما يقول الشيخ أحمد شاكر: لقد تجرءوا على الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، فالحديث متفق عليه، ولم يجرءوا أن يطعنوا في البخاري ومسلم، ولكن قالوا: هذا الحديث لعل أبا هريرة قد أخطأ في هذا الحديث! ثم لو جئنا إلى هذا الحديث فإننا نجد أن أبا هريرة لم ينفرد به، فقد جاء عن أبي سعيد الخدري، وعن أنس بن مالك، ورواه البيهقي، ورواه ابن خزيمة وغيرهم، فالحديث من حيث السند من أصح ما يكون، والذين خصوا أبا هريرة بالكلام عليه حسابهم على الله، وأبو هريرة أضبط الصحابة لحديث رسول الله، وفي ذلك معجزة لرسول الله، فإنه اشتكى إلى رسول الله أنه ينسى بعض ما يسمع منه، فقال صلى الله عليه وسلم ذات ليلة:(من أراد أن يحفظ فلا ينسى فليبسط رداءه، فبسط أبو هريرة رداءه أمامه، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديثه قال: ضم إليك رداءك، فضم إليه رداءه، فقال: والله ما سمعت حديثاً ونسيته بعد ذلك أبداً) ، إذاً: عنده تأمين على أحاديثه من رسول الله، ليس من شركات التأمين الأوروبية، بل تأمين من رسول الله، فهو إذا سمع الحديث حفظه فلا ينساه بضمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكيف يأتي أشخاص متأخرون يتطاولون على صحابي جليل كـ أبي هريرة رضي الله تعالى عنه؟! وهذا الحديث قد أخذ مني وقتاً طويلاً، وسيطر على فكري زمناً طويلاً، وكتبت عنه في مجلة راية الإسلام -التي كانت تصدر في الرياض- في عام (١٣٧٤ أو ١٣٧٥) هجرية مقالتين: الأولى: في سند الحديث، وصحة الرواية، والثانية: فيما توصلت إليه، وفيما جمعت من نقول طبية عن المجلة الطبية البريطانية، ومجلة الأزهر، ومجلات أخرى.