للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نزغ الشيطان بين بني آدم]

تقدم بأن الإعاذة هي الالتجاء واللواذ؛ ولذا الأمور العظام التي لا يقوى عليها الإنسان ليس له ملاذ ولا ملجأ إلا الله، ويقولون: عدو الإنسان إما من الإنس وإما من الجن شياطين الجن والإنس، وقد علمنا الله سبحانه وتعالى كيف نتقي شر عدو الإنس، وعلمنا كيف نتقي شر عدو الجن، وذلك في قوله سبحانه وتعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت:٣٤] ، ادفع من؟ الإنسان الذي يريدك بشر، إساءته وحسنتك لا يستويان، هو يسيئ إليك، وأنت ادفع إساءته بالتي هي أحسن، ماذا تكون النتيجة؟ {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:٣٤] .

إذاً: تتقي عداوة الإنسان بالإحسان إليه، ولذا يقولون: مصانعة العدو وقاية من شره، ويذكرون عن شخص أوروبي مشهور عند أهله، أنه قيل له: نراك تصانع أعداءك، قال: أليس واجبي أن أتقيهم وأتقي شرهم؟ قالوا: بلى، قال: ما وجدت أحسن من اتقائي شر العدو من مصانعته، أي: إذا صانعته صار صديقاً {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:٣٤] ، ولكن بيّن القرآن الكريم أنها منزلة وليس كل إنسان يقوى عليها، {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا} [فصلت:٣٥] ، صبر على أذية الخصم، ولجأ إلى الله سبحان وتعالى لكي يعينه على الإحسان إليه، {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:٣٥] .

وكما جاء في الحديث: (تهادوا تحابوا) ، لو كان لك خصم ألد، وجئت في مناسبة وقدمت إليه هدية بسيطة جداً، تجدها تسقط ثلاثين في المائة أو أربعين في المائة مما في قلبه من شحناء عليك، وعندها يذهب وحر الصدر.

ثم جاء إلى القسم الثاني: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:٢٠٠] ، لماذا؟ لأنك لا تستطيع أن تصانع الجن، ولا تنفع معه المصانعة؛ لأنك كلما صانعته كلما استضعفك، إذاً: لا ينفع معه إلا السلاح، ولا تنفع معه مصانعة، إنما تلجأ من شره ومن كيده إلى الله {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:٢٠٠] {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:٢٠١] ، يلجئون إلى الله سبحانه وتعالى حالاً، وهنا الاستعاذة بالله سبحانه وتعالى هي اللجوء إليه بأن يحميه ويقيه ويدفع عنه ويرعاه مما استعاذ به منه، ونجد الأمور الأربعة كلها خفية وغيبية لا يقوى كل من على وجه الأرض أن يحفظ الإنسان أو يعيذه منها، ولا يقوى على ذلك إلا الله.

إذاً: فاستعذ بالله، وبدأ أولاً بعذاب جهنم، وفي بعض الروايات: (من عذاب النار) ، وتقدمت الإشارة إلى أن لفظ جهنم مشتق من التجهم، وهو عبوسة الوجه وهي كذلك، ومن يقي الإنسان من عذاب النار إلا الله سبحانه وتعالى.