[زكاة الخيل والرد على من أوجبها]
[وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) رواه البخاري، ولـ مسلم: (ليس للعبد صدقة إلا صدقة الفطر) ] .
انتقل المؤلف رحمه الله إلى نوع وقع الخلاف فيه، وهو: العبد والفرس، وهنا الحديث يقول: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) .
فرس: نكرة أضيف إلى الضمير، وبعض العلماء يقول: إذا أضيفت النكرة إلى معرفة فهي عامة، وتدل على الجمع، كما في قوله سبحانه: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ} [إبراهيم:٣٤] فـ (نعمة) نكرة أضيفت إلى المعرفة (الله) ، فلو كانت مفردة ما احتاجت إلى إحصاء، ولكن دلت على العموم والشمول لما أضيفت إلى المعرفة.
فقالوا: (فرسه) يعم جنس الفرس وليس رأساً واحداً، إذاً: ليس على المسلم في جنس الخيل صدقة، ولا في جنس العبيد صدقة.
وهنا موضع خلاف يورده العلماء، والحديث أورده البخاري، وفي بعض الروايات: (ولا في غلامه) ويجمعون على أن فرس الخدمة وعبد الخدمة لا زكاة فيهما، إلا زكاة الفطر في العبد؛ لأن زكاة الفطر على الكبير والصغير والحر والعبد، وكل من تلزمك نفقته، ونحن الآن في الكلام على زكاة المال.
فبعض العلماء يقول: لا زكاة في الخيل مطلقاً حتى لو كانت للتجارة كما يقوله ابن حزم، والجمهور يقولون: إذا كانت الخيل للنسل والنماء فلا زكاة فيها، وإن كانت لعروض التجارة كإنسان يتاجر في الخيل، فيبيع ويشتري فيها؛ فالزكاة في قيمتها مثل عروض التجارة، وكذلك الرقيق، لو كان يتاجر في الرقيق فعليه زكاة تجارتها، أي: تقدر فيمتها ويدفع زكاتها من قيمتها، أما أن تتخذ للقنية أو للتناسل فلا زكاة فيها.
والإمام أبو حنيفة رحمه الله اعتبر الخيل من الدواب التي تزكى، وجاء في بعض الآثار -ويتفق العلماء على ضعفها- أن على الفرس ديناراً أو عشرة دراهم.
ويقول الجمهور: كتاب أبي بكر رضي الله تعالى عنه والكتب الأخرى التي جاءت في أنصباء الزكاة لا يوجد منها كتاب واحد ذكر الخيل.
ويذكرون أيضاً في هذا الباب أنه لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها ... ) إلخ -كما تقدم- فلم يذكر الخيل، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم: (والخيل يا رسول الله؟ فقال: الخيل ثلاث: خيل لصاحبها ستر، وخيل لصاحبها وزر، وخيل لصاحبها أجر ... ) فقالوا: هذا رد على من سأل عن سبب عدم ذكر الخيل مع الإبل والبقر والغنم.
وجاء في موضوعها في زمن عمر رضي الله تعالى عنه أن قوماً أصابوا خيلاً، فجاءوا إليه وقالوا: أصبنا خيلاً وعبيداً، نريد أن تأخذ زكاتها طهرةً.
فقال: (كيف آخذ منها زكاة وصاحباي قبل لم يأخذوها؟) يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر.
ثم شاور من عنده حتى سأل علياً فقال: (خذ منهم مادام أنهم أتوا بها طواعية) وقال: (لا مانع ما لم تصبح عليهم ضريبة أو جزية تكون لازمة عليهم من بعدك) أي: أن يأتي من بعده: عمر أخذ منهم، فيلزمهم بدفعها، والمبدأ كان اختياراً.
إذاً: عمر امتنع أولاً ولم يكن يمتنع إلا على ما هو ممنوع زكاته، ثم شاور أصحابه وشاور علياً، وأفاد علي بهذا الجواب، إذاً: فلا زكاة في الخيل، اللهم إلا إذا أصبحت عروض تجارة للبيع والربح والنماء فلا مانع.
وعند الإمام أبي حنيفة رحمه الله: أنه لا زكاة في الخيل إلا إذا كانت للتناسل والتكاثر، أما إذا امتلك مجموعة من الخيل كلها ذكور، أو مجموعة من الخيل كلها إناث؛ فلا زكاة فيها عنده؛ لأن الذكور وحدها لا تنمو ولا تزيد، والإناث وحدها لا تنمو ولا تزيد، أما إذا كانت ذكوراً وإناثاً وتنتج وتنمو وتزيد، فقال: الزكاة تبع للنماء، فتزكي.
والله سبحانه وتعالى أعلم.