[الاختصار في الصلاة ومعناه]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل مختصراً) متفق عليه، واللفظ لـ مسلم، ومعناه: أن يجعل يده على خاصرته.
وفي البخاري عن عائشة: (أن ذلك فعل اليهود في صلاتهم) ] .
بدأ المؤلف رحمه الله تعالى هذا الباب العظيم بهذا الحديث الذي نهى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الرجل -وكذلك المرأة- أن يصلي مختصراً، والمؤلف شرح كلمة (مختصراً) ، وهي مأخوذة من الخاصرة، والخاصرة فوق الحقو، وهو العظم، ويسمى بالحوض فوق ملتقى الفخذ بالظهر، فنهى صلى الله عليه وسلم عن هذه الهيئة -كما سيأتي فيما بعد- (في الصلاة) ، وجاء التعليل بأن ذلك من فعل اليهود، فيقفون في صلاتهم مختصرين.
وبعضهم يفسر الاختصار في الصلاة: بأنه الاختصار في القراءة، وهو أن يأخذ من بعض السور بعض الآيات مختصراً السورة.
وبعضهم فسر الاختصار بأن يختصر الصلاة، فلا يعطيها حقها من القراءة والطمأنينة في الركوع والسجود، بل يقتصر على أقل ما يجزئ، وهو الطمأنينة فحسب في الركوع وفي السجود وغير ذلك، بخلاف من يطيل ركوعه ويطيل سجوده، كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم، فقد أطال سجوده صلى الله عليه وسلم في بعض الليالي حتى قالت عائشة: (خشيت أن يكون قد قبض) أي: مات.
وجاء في الحديث الآخر: (يقرأ في الركعة الأولى البقرة وآل عمران والنساء، ثم يركع نحواً من ذلك، ثم يرفع نحواً من ذلك، ثم يسجد نحواً من ذلك، إلى آخر الصلاة) ، وهذا في النافلة؛ لأنه في الفريضة يؤم الناس، فيراعي الضعيف والمريض وذا الحاجة، فمن بعض معاني الاختصار اختصار الصلاة بعدم إيفائها حقوقها.
ومن معاني الاختصار أن يقرأ بعض الآيات من بعض السور.
وبالمناسبة فإنه قد ورد عن مالك رحمه الله أنه قال: أحب إليّ أن يقرأ سورة كاملة -ولو من قصار المفصل- من أن يقرأ نظيرها عدة مرات من سورة طويلة.
يعني أنه لو قرأ صفحة كاملة من سورة البقرة، أو آل عمران، أو يس، فخير من ذلك أن يقرأ سورة كاملة مثل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:١] ، أو {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} [الفيل:١] ، أو {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:١] ، فإن هذا أحب عنده من أن يقرأ صفحة كاملة من سورة طويلة دون أن يكملها.
والسبب في ذلك أن من تأمل أسلوب القرآن ومنهجه، وأدرك المعاني المرتبطة يجد كل سورة من قصار السور تنفرد بوحدة موضوعها، بخلاف السور الطوال، فإنها تتعدد فيها المواضيع، فإذا جئت إلى سورة (اقرأ) وجدت أنها تتحدث عن بداية الرسالة بالقراءة والتعليم، وإذا جئت إلى سورة (إنا أنزلناه) فإنها تتحدث عن القرآن، وعن نزوله، وإذا جئت إلى سورة (البينة) وجدت فيها إقامة الدليل والحجة على المشركين وأهل الكتاب، وإذا جئت إلى سورة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وجدت موضوعها يتحدث عن ذات الله ووحدانيته سبحانه، وكذلك (المعوذتان) تجد كل واحدة موضوعة للاستعاذة من أشياء مخصصة.
أما البقرة وآل عمران وبقية السور الطوال فتجد فيها عدة قصص، وكل قصة مستقلة بذاتها، وتجد في سورة البقرة مواضيع عديدة، كأول خلق الكائنات، وتقسيم الناس إلى مؤمنين ومنافقين وكفار، ثم دعوة الناس إلى عبادة الله وحده بإقامة الأدلة بخلق السموات والأرض، ثم الكلام على بني إسرائيل، ثم آدم، ثم إبراهيم، إلى غير ذلك من أشياء عديدة، ومواضيع متعددة، فلربما أخذ الموضوع الواحد صفحة كاملة أو أكثر، وينبغي على كل قارئ -سواءٌ أكان وحده، أم إماماً في الصلاة- إذا قرأ من بعض السورة الطوال أن يأخذ موضعاً مكتملاً فيقرأه، ولا يبتر الموضوع ويركع، فإذا لم يمكن ذلك، أو كان يطول ذلك على المصلين فليقرأ من قصار السور.
فمن معاني الاختصار: الاقتصار على بعض الآيات من بعض السور، وكذا الاختصار في الصلاة بإنقاص بعض واجباتها، والاختصار حساً، وهو وضع اليدين على الخاصرة، وماذا في وضع اليد في الخاصرة؟ قالوا: لأن ذلك من فعل اليهود في صلاتهم، ولا ينبغي أن نتشبه باليهود في عباداتنا.
وهناك معنىً آخر، وهو أنك لو تأملت في نفسك إذا كنت في خلوة، أو في حالة ما، ووجدت نفسك مباشرة تضع يدك على خاصرتك، فإن ذلك -غالباً- لا يكون إلا في حالة الإعجاب، والنظر بتوسع فيما أعجبك، ففيها شيء من الفخر أو الاعتزاز أو التكبر، وهذا يتنافى مع الخشوع في الصلاة، والله تعالى أعلم.