[ميراث الجدات]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله.
وبعد: فيقول المصنف رحمه الله: [وعن ابن بريدة، عن أبيه رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للجدة السدس إن لم يكن دونها أم) رواه أبو داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة وابن الجارود، وقواه ابن عدي] .
من مشاكل الميراث ميراث الجدة، والجدة هي أم الأم أو أم الأب، يقولون: إن الجدة جاءت لـ أبي بكر رضي الله تعالى عنه، فقالت: أعطني ميراثي في قضية الجد أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم السدس وتساءل العلماء: من كان مع الجد حتى أعطي السدس؟ وعمر رضي الله تعالى عنه لما أتاه سائل في الجد قال: من عنده علم فليأتنا؟ فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين! إن رجلاً أتى النبي فأعطاه السدس، ثم دعاه فأعطاه السدس طعمة.
فقال عمر: مع من ورثه؟ قال: لا أدري.
قال: لا حياك ولا بياك، ما أغنيت شيئاً.
العلماء يتساءلون مَن مِن الورثة أصحاب الفروض الذين يبقى بعدهم الثلث حتى يحصل الجد على سدسين؟ فقالوا: المتوقع في هذا: أن يكون الميت ترك بنتين، فالبنتان لهما الثلثان، فبقي الثلث فأخذه الجد فرضاً وطعمة، أو ترك بنتاً وبنت ابن، فالبنت لها النصف، وبنت الابن لها السدس تكملة الثلثين، وبقي الثلث بعدهما للجد فرضاً وطعمة، هذا تتمة لمن كان مع الجد حينما أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم ما أعطاه فيما تقدم.
هنا الجدة أعطاها النبي صلى الله عليه وسلم السدس، هل الجدة من ذوي الفرائض في كتاب الله؟ ليست مذكورة، إذاً: هذا عطاء من النبي صلى الله عليه وسلم للجدة، بشرط ألا تكون الأم موجودة، فالرسول إنما أعطى الجدة سدس الأم، إذاً: أصل السدس الذي تأخذه الجدة هو للأم، فإذا لم توجد الأم انتقل إلى أمها، وعلى هذا كان عطاء من النبي صلى الله عليه وسلم.
ومبحث العلماء في الجدة والجدات من جهتين: جهة الجهات التي ترث منها الجدة والجدات، وجهة توريث المجتمعات من الجدات.
فـ مالك رحمه الله يورث من جهتين: أم الأم وأم الأب فقط.
وأحمد رحمه الله يزيد جدة ثالثة، وهي: أم أب الأب، يعني جدة الأب.
وأبو حنيفة والشافعي رحمهما الله يورثان كل جدات وجدن متساويات قال في الرحبية: وإن تساوى نسب الجدات وكن وارثات فالسدس بينهن بالسوية.
وكن كلهن وارثات، أي: ولا توجد واحدة محجوبة بمن قبلها.
وعلى هذا: فإن السدس ميراث الجدة إن انفردت من جهة الأم أو من جهة الأب إن لم توجد الأم.
ومالك يورث اثنتين، وأحمد يزيد واحدة، والشافعي وأبو حنيفة: يورثان كل من وجد من الجدات متساويات سواء كن أربعاً أو خمساً أو أكثر أو أقل.
ولنعلم بأن الجدة لا تكون من جهة الأم إلا واحدة: أم الأم، وأم أم الأم، وهكذا، فخط الأم هذا كله جدة واحدة، لكن أم أب الأم ساقطة؛ لأنها أدلت إلى الوارث بذكر وهو أب الأم، إذاً الجدة الوارثة من جهة الأم لا توجد إلا من طريق واحد.
ومن جهة الأب عند مالك أم الأب، وهي أم الأب الأدنى وأمهاتها، وسلسلتها تتعادل مع أم الأم.
ويزيد أحمد أم أب الأب يعني: جدة أبي الميت أم أبي أبيه، وأمهاتها، وإذا توسعنا أكثر من هذا فأم أبي أبي الأب لا تدخل عند أحمد ولا عند مالك، ولكن تدخل عند الشافعي وأبي حنيفة.
لم تكن الأم موجودة؛ لأن الأم تحجب الجدة لأن الأصل لها، سواء كانت من جدة من جهة الأب أو الأم.
ومتى يتساوى ثلاث جدات أو أربع أو خمس؟ هذه مشكلة، ولا عمر نوح عليه السلام! إذا قلنا: أم الأم وأم الأب متساويات وقريبات، فيمكن أن توجد هذه الجدة وتلك معاً، لكن إذا صعدنا درجة أم أم الأم وأم أم الأب فهن متساويات، في الدرجة التي تأتي عند أحمد: أم الجد، فصار بينها وبين الميت الأب والجد وصارت هي في الدرجة الثالثة، فإذا تساوى الجدات الثلاث في الدرجة، فعند أحمد الثلاث يرثن، وعند مالك لا يرث إلا اثنتان، وعند الشافعي وأبو حنيفة ترث ولو كانت أم أبي أبي أبي الأب، وجدة جدة جدة جد الجد، ولن يعيشوا إلى هذا الوقت! وهذه مسألة نظرية، وفي اعتقادي أنها ما وقعت ولن تقع، إذا قلنا: الجدة في الطبقة الخامسة، فبينها وبين المائة شيء يسير، ستعيش إلى ذلك الوقت، وهل هذا كما يقولون: من التصوير الفقهي، والمسائل المفترضة؛ لأنه متمش مع القاعدة الفقهية في الميراث؟ هنا ناحية بعد هذا (وكن كلهن وارثات) ، إذا وجدت أم الأم، وأم أم الأم، فهناك قربى وبعدى، فأم الأم هي القريبة، أما أم أمها فبعيدة، إذاً: السدس يكون للقريبة، فكل من كانت أقرب للميت سواء من جهة واحدة أو من جهات أخرى، فإن القربى المنفردة في طريقها تحجب البعدى على التحقيق، وإذا كان الطريق متعدداً، وعندنا أم أم أم أم أم أم، يعني: جدة رقم ستة للأم، وعندنا جدة رقم سبعة للأب، تفاوت القرب والبعد، فالذي يرث منهما القربى، ولو عكسنا وجعلنا السادسة من جهة الأب، والسابعة من جهة الأم، فهناك من يقول: القربى تحجب البعدى ولو كانت البعدى من جهة الأم، فالجدة رقم ستة من جهة الأب تحجب الجدة رقم سبعة من جهة الأم، وهذا قول للإمام أبي حنيفة رحمه الله.
والآخرون يقولون: إذا كان أصل السدس للأم، فجدة الأم هي الأصل، فإن بعدت ووجد معها أقرب منها من جهة الأب، فإن قوة الأصل في كون السدس للجدة للأم يدنيها؛ لأنها هي الأصل، فتشارك الجدة من الأب وإن كانت التي لأم بعدى، فتنزل وتشارك التي لأب وإن كانت التي لأب قربى؛ لأن الأصل مع التي لأم، فيقوي ضعف بعدها.
وإذا كان العكس: القربى للأم، والبعدي للأب؟ فالتي للأب لا تنزل وتشارك التي لأم، بل تسقط؛ لأن التي لأم جمعت قوتين: قوة القرب وقوة الأصالة.
فاختصت عند قربها بالسدس، ولعل في هذا القدر كفاية من جهة الجدات.