الرجل لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله -وعلى الروايةالأخرى-: العلي العظيم) ، قال: يا رسول الله! هذا لله، فماذا لي؟ هذا لله: سبحان الله، تسبيح لله، الحمد لله، حمد لله، لا إله إلا الله، والله أكبر كذلك، لا حول ولا قوة إلا بالله تذهب أيضاً لله، كلها تذهب لله؛ فما حظي؟ وهذا مما يدل على أن الرجل عاقل وفاهم، فمثل هذا هل يعجز عن حفظ الفاتحة؟ لا، ولكن الوقت ضيق، فبم أجابه صلى الله عليه وسلم؟ قال:(قل: اللهم ارحمني وارزقني وعافني واهدني) ، الرجل لما تأمل في هذا الذكر الذي علمه إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفقهه، وعلم أنه ليس مجرد لفظ فقط، فهو يعلم أن هذا من حق الله سبحانه، وماذا يعود علي؟ وهذا طمع.
ألا يكفيك أنك أديت حق الله عز وجل؟ أنت تقول: إنك عاجز وتريد ما يجزئ، ولكن انظر إلى السماح! فقد جعل الرجل ينفسح أمله عند الله أكثر، علمه كيف يصلي، وأعطاه ما يجزئ، فلم يقل: جزاك الله خيراً، ولكن أريد زيادة، هذا هو التعليم وفضل الله.
قال:(إذا انتهيت من هذا قل: اللهم ارحمني وارزقني وعافني واهدني) ، وهذه له هو، الرحمة، والرزق، والمغفرة، (وعافني واهدني) ، لما سأل الرجل: ما هو حظه من هذا الذكر؟ وجهه إلى جماع أبواب الخير: ارحمني، اغفر لي، وهل هذا من أمر الدنيا أم الآخرة؟ وماذا بقي إذا غفر له ورحمه؟ والرزق مضمون في الدنيا لكنه زيادة طلب، وإذا هداه إلى ما يرضاه فيكون مع الذين أنعم الله عليهم، (وعافني) أما هذه فقد جمعت كل الخير، أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أحب الناس إلى رسول الله من النساء، في أشرف ليلة -في ليلة القدر- تقول:(يا رسول الله! ماذا أقول إن أنا صادفتها؟) فالسؤال من أحب إنسان لأحب إنسان في أفضل الليالي، فإذا به صلى الله عليه وسلم يقول:(قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) .
المسألة في ليلة القدر أعظم مسألة وما عداها مقدمة وسيلة وقربة إلى الله عز وجل، وهذا الواجب عندما يكون لك حاجة عند عظيم: هل تمسك به فتقول: أعطني؟! لا، ولكن: اعمل معروفاً، انظر إلى حالتي، أنت كريم، أنت لا ترد أحداً، قد لا يكون كذلك لكن أنت تأتي بها من أجل أن تغريه أن يعطيك (ولا أحد أحب إليه المدح من الله) تأتي بالأول: (اللهم) ، يعني: يا الله، (إنك عفو) ، الأصل أنك عفو لا تعاقب، (تحب العفو) ، قد يعفو الإنسان برغم عنه، إذاً: ما دمت أنك عفو وتحب العفو فأنا أسألك العفو، سألتك ما تحب وهو من فعلك وصفتك.
يقول بعض العلماء: كنت أعجب من هذا اللفظ، فلما تأملته فإذا به جماع الخير كله، من عوفي في بدنه ماذا يريد؟ ومثله من عوفي في دينه من الآفات والبدع، من عوفي في ولده وماله، من عوفي يوم الحساب، ماذا يبحث بعد ذلك؟ قال: فتأملته فوجدته جامعاً لكل خير.
ربما نجد شاهداً لفهم هذا الرجل من الحديث القدسي، وفي خصوص الصلاة وفي عين الفاتحة؛ لأنه ثبت في الصحيح: أن الله سبحانه وتعالى قال: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، إذا قال العبد: الحمد لله، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله: مدحني عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال الله: أثنى علي عبدي، وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال الله: هذه بيني وبين عبدي وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) ، العبد يسأل فماذا يقول:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة:٦] ؛ فكأن الفاتحة تشتمل على حق لله وحق للعبد المصلي.
هذا الرجل وإن كان لم يحسن الفاتحة لكنه فقيه رشيد، أنار الله بصيرته؛ لما سمع من رسول الله المجزئ والبديل عن الفاتحة، وتأمّل ذلك، وجد أن كله لله فطلب حظه، فأرشده صلى الله عليه وسلم إلى ما فيه حظه من الدنيا والآخرة، والله المستعان.