وقد بحث العلماء مسألة قريبة من هذا، فمثلاً: المحلات العامة كالمساجد، إذا كان للإنسان مكاناً في المسجد، واعتاد الإتيان إليه، وهو ممن يحضر الصلوات الخمس، وتعود أن يأتي مبكراً، ويجلس في مكان معين، فلو أن إنساناً آخر سبق إليه، أيحق له أن يجلس فيه؟ وإذا جاء صاحب هذا المكان، أيحق له أن يقيمه منه ليجلس مكانه؟ بعض العلماء يقول: لا يقيمه؛ لأنه جاءت بعض الآثار في النهي عن أن يتوطن إنسان موقعاً في المسجد توطن البعير، لأن البعير إذا وطنته في مكان، لا يمكن أن يتحول عن ذاك المكان، يألف ذاك المكان، ولا يمكن أن يبرك إلا فيه، فنهى عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعض العلماء قال: ما دام هذا شخص متعود وله عادة في السبق ومحافظ على الجماعة، يجب أن نحترم محافظته ومبادرته، ونكرمه بترك المكان له.
وبعضهم قال بالتفصيل: فهذا الشخص الذي اعتاد مكاناً بعينه، وعرفه الناس به، ننظر أللناس مصلحة عنده، فيبقى في المكان الذي عرف به، حتى لو جاء صاحب حاجة، يريده فيما فيه المصلحة عرف مكانه، دون أن يبحث في المسجد عنه، أم أنه شخص عادي من عامة المسلمين؟! فإن كان شخصاً للناس عنده مصلحة، لم يفتي الناس، وعرف الناس مكانه، وإذا وقعت بإنسان نازلة فيعلم أن فلاناً في المسجد في المحل الفلاني، فيأتي السائل ويقال له: فلان -مثلاً- أمام باب الرحمة، أو فلان أمام كذا، فإن اشتهر بهذا المكان، وكان للناس عنده حاجة يقصدونه فيها فالأولى أن يترك له مكانه لخدمة الناس؛ لأن من يدخل ويأتي إلى مكانه سيجده هناك.
لكن لو أننا أخذنا مكانه عليه فتارة يجلس في اليمين، وتارة يجلس في اليسار، وتارة هنا، وتارة هناك، كان في ذلك تفويت المصلحة على الناس.
فإذا سبق إنسان وجاء ذلك الشخص الذي اعتاد هذا المكان فمن حقه أن يقيم من جلس فيه، وأن يجلس في مكانه، والله تعالى أعلم.