[علاقة الزكاة بتطهير الغني والفقير]
قال: (طهرة للصائم وطعمة للمساكين) أي: مقابل ما يحصل عليه المتصدق يحصل عليه الآخذ المتصدق عليه، فتكون الفائدة مشتركة بينهما، وطعمة المسكين في ذلك اليوم هي ما جاء بقوله: (اغنوهم) .
وإذا نظرنا إلى القرآن الكريم نجد هذه الازدواجية في مهمة الزكاة العامة وهي زكاة الأموال؛ لأن المولى سبحانه وتعالى يقول لرسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:١٠٣] فاسم الصدقة شمل زكاة المال، وشمل صدقة الفطر، فماذا تصنع هذه الزكاة؟ قال: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ} [التوبة:١٠٣] قالوا: ((تطهرهم وتزكيهم)) البعض يقول: تطهر الأغنياء في نفوسهم، وتزكي أموالهم، والآخرون يقولون: لكل واحدة من هاتين الكلمتين جهة، فعندما ينظر الفقير إلى مال الغني، ويذهب الغني ويجني ماله، وليكن مثلاً مما تنبت الأرض، وذهب صاحب البستان وجذ نخله، وأخذ التمر إلى مخازنه، والمسكين يتطلع إليه ولم يجد تمرة واحدة منه، فالذي يحدث في نفس المسكين بغريزته وطبيعته أنه يحسده ويحقد عليه؛ لأنه يرى بعينه ما يتمتع به هذا الغني مما أعطاه الله، وهو والله ما أنبت النخلة حينما غرسها، ولا أطلع طلعها حينما أطلعت، ولا أنضج ثمرتها حينما طابت، ولا أتى بثمارها وتمرها، بل الله الذي صنع له كل ذلك وهو نائم في بيته، نائم في ظل النخلة وهي تعمل كل ذلك بإرادة الله.
فهذا الفقير الذي بجانبك هو عبد لله مثلك، صلته بالله كصلتك، وهو مخلوق مثلك تماماً فلماذا لا تفيض عليه مما أفاض الله عليك؟! فإمساك الغني لماله وعدم إخراج زكاته، والفقير يرى بعينه، يجعله يحقد عليه ويحسده؛ ولهذا جاءت المبادئ الإسلامية تلزم الغني أن يشرك الفقير في ماله بقدر معلوم وهو الزكاة.
فهنا الفقير إذا تعطلت فريضة الزكاة حقد على الغني، وتدنس الغني بحق الفقير الذي في ذمته، وأصبحت الجريمة في الجانبين، فتأتي الزكاة وتصلح هذا الفقير وتطهره من حقده وحسده ونظرته وعداوته إلى الغني؛ لأنه أخذ حقه وافياً، فيقف ويقول: اللهم بارك له فيما أعطيته، اللهم بارك له في ثمره وفي ماله.
((وتزكيهم)) أي: وتنمي أموال هؤلاء، ولقد علمنا -يا إخوان- وجاءتنا الأخبار الصادقة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة بعينها، بل نجد القرآن الكريم يذكر قصة أصحاب الجنة: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ} [القلم:١٧-١٨] ماذا كانت النتيجة؟ {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ * فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} [القلم:١٩-٢٤] فهؤلاء منعوا الصدقة، فماذا كانت النتيجة؟ {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ} [القلم:١٩] ، إلى أن قال: {فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ} [القلم:٢٦-٢٨] .
وهناك في السنة النبوية: قصة الرجل الذي كان يمشي في فلاة من الأرض فيسمع صوتاً في السحاب: (اذهبي فأمطري في مزرعة فلان) ، فتطلع إلى أن يرى من هو فلان الذي يسوق الله السحاب إلى مزرعته لتسقيها، ولأي شيء؟ فيسير في ظل السحابة، فإذا بها تأتي إلى حرة وإلى مكان متسع فتمطر، والماء يتجمع ويتحول ويمشي في طريقه ويصب في مزرعة فلان، وفلان قائم يحول الماء بمسحاته في الأحواض، فقال له: السلام عليك يا فلان.
نظر إليه فلان هذا فلم يعرفه، قال: وكيف عرفت اسمي وأنا لم أعرفك؟! قال: أخبرني أولاً ماذا تفعل في مزرعتك هذه؟ قال: ولماذا تسأل؟ قال: سمعت صوتاً في السحاب.
وأخبره بالخبر، قال: فجئت حتى وصلت إليك وعرفت اسمك من صوت السحاب.
قال: إن كان الأمر كذلك فإني عندما أحصد أقسم الغلة ثلاثة أقسام، قسم أحتفظ به لأرده فيها، وقسم أدخره لنفسي وأهلي سنة، والقسم الثالث أتصدق به.
قال: بهذا سقيت.
فهنا المسكين إذا لم يأخذ شيئاً فنار حقده في قلبه تحرق هذا المال؛ لأن فيه حقاً له، وإذا أخذ حقه بات ليله يحرس مال جاره؛ لأنه اطمأن أنه سيأتيه منه الرزق.
إذاً: هي طهرة للصائم وطعمة للمساكين، وهما متقابلان، وكذلك هناك: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:١٠٣] .