وهناك صور أخرى للبيعتين في بيعة، كأن يقول: أبيعك هذه السيارة (التكسي) على أن تبيعني هذه (الأنيسة) ، أو تبيعني هذه الحمالة (دينة) ، فهذا باع، وهذا باع، بيعتان في عقد واحد، على الشرط: أبيعك التكسي شرط أن تبيعني الدينة، يقولون: هذا أيضاً يصدق عليه أنه بيعتان في بيعة؛ لأنه بيع وشرط، وتوقفت صحة العقد الثاني على صحة العقد الأول، قالوا: هذا أيضاً داخل في معنى: بيعتين في بيعة.
لكن لا ينطبق عليها أوكسهما؛ لأن كل واحدة منهما إما بسعر الأخرى، وهذه في قيمة هذه، فتكون متساوية، وإما كل واحدة بثمن محدد، فهما عقدان متفاوتان، وليس هناك أوكس ولا أكثر؛ لأن كل سلعة لها سعرها.
وهناك من يقول: أسلم في قفيز من الحب، وبيع السلم هو أن تأخذ الثمن، ويكون المبيع في ذمتك، تقدمه للمشتري عند الأجل، كالذي يبيع خمسة أوسق من التمر، والناس ما زالوا يؤبرون، وهذا جائز، فيأخذ الثمن، وحينما يأتي وقت الجذاذ، عليه أن يقدم الخمسة الأوسق للمشتري، فلما جاء الأجل، وقال: أعطني الأوسق التي لي، والتي اشتريتها من قبل -أنت ما عندك- فيقول: أنا ما عندي، ولكن بعني تلك الأقفزة الخمسة التي لك عليّ بألف مؤجلة إلى شهرين، فالخمسة الأوسق وقع عليها بيعان: بيع في عقد السلم، وبيع عند الوفاء؛ لانعدامها عند الأجل، إذاً: أنت بعتها، ثم اشتريتها، بعتها وهي معدومة، واشتريتها حينما حل الأجل عليك لتدفعها، فهذا أيضاً من صور البيعتين في بيعة.
ولكن: إذا أردنا أن نطبق الحديثين فإن أقرب الصور في تطبيقها هو ما قاله الشافعي رحمه الله: أن تبيع السلعة بأكثر من ثمنها في يومها بزيادة مقابل التأجيل، الآن في السوق بمائة، تقول: بمائة وثلاثين بعد ستة أشهر، الثلاثون هذه مقابل ماذا؟ التأخير إلى ستة أشهر.
فينطبق عليها أوكسها، وهي المائة، وهو سعرها اليوم، (أو الربا) أي: في هذه الثلاثين الزائدة.
ولكننا نجد الشوكاني يرحمه الله بحث هذه المسألة, وقال: لقد كتبت رسالة في ذلك أسميتها: إرواء الغليل في زيادة الثمن من أجل التأجيل، ولكن لم نطلع عليها، ولم نجدها.
فكل صورة من تلك الصور الثلاث التي أوردناها وردت عليها اعتراضات، إلا الصورة التي ذكرها الشافعي، فلا يوردون عليها، إلا أن العمل جار عليها، وكون العمل جار على شيء، وهو يتعارض مع النص الصريح، لا يكون ذلك حجة مسقطة للنص، وقالوا: الحديث متكلم فيه، وإذا أردنا أن نأخذ كل كلام في كل حديث، ما يبقي لنا شيء، هذا الذي نستطيع أن نورده في هذه المسألة على كثرة ما قيل فيها، سواء كان في الموسوعات أو كان في المجاميع، أو كان عند الفقهاء، وبالله تعالى التوفيق.