للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصنف الثاني: من أصيب في ماله بجائحة]

قال: [ (ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش) ] .

الصنف الثاني: رجل أصابته جائحة، والجوائح كثيراً ما تكون في الزروع، وقد تصيب غير الزروع، والأصل فيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح.

ومثال الجائحة أن يأتي إنسان إلى مزرعة بعد أن ظهر في ثمرها الصلاح وحلّ بيعها، فاشتراها على أنها مبقاة في أرضها أو في نخيلها، حتى ترطب، ثم يأخذها إلى السوق، فجاءت جائحة: كرياح عاتية، أو برد شديد، أو أي آفة من آفات الزراعة وأفسدت تلك الثمرة، وأصبح المشتري لا يستطع أن يستفيد مما اشتراه شيئاً.

فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح، بمعنى أن على صاحب البستان أن يرد الثمن للمشتري؛ لأن المشتري لم يستفد شيئاً، وقد ثبت في الحديث: (فبم يأكل أحدكم مال أخيه؟) .

أنت بعتها عليه مثلاً بعشرة آلاف، فجاءت الجائحة وأفسدتها، فبأي وجهٍ تأخذ العشرة آلاف هذه وتأكلها؟ ليس لك وجه حق؛ لأن المشتري لم يستفد من الثمرة شيئاً، فالجائحة لم تنزل عليه إنما نزلت على مزرعتك وفيها الثمرة المباعة.

والجوائح ليست من الأرض أو من فعل الخلق، إنما هي من فعل الله سبحانه وتعالى، فهي آفات سماوية كما يقولون.

ومثال آخر للجائحة: لو كان هناك سفينة في عرض البحر فهاج بها البحر وتلاطمت بها الأمواج من كل جانب فغرقت، فهذه أيضاً تكون جائحة.

فالإنسان إذا أصيب بجائحة في ماله، بعدما كان يعد من كبار التجار والأغنياء، وكانت سفنه تعبر المياه، وكانت سياراته تعبر الصحراء بالبضائع، لكنها أصيبت بجائحة، وذهب رأس ماله في هذه التجارة، ففي هذه الحالة يجوز له أن يسأل لكن هل له أن يسأل حتى يصيب العوض لكل ما ذهب منه؟ كالسيارة التي فيها مائة ألف، والباخرة التي فيها من البضاعة ما قيمته نصف مليون، والبستان الذي فيه ما يعادل خمسمائة ألف، فهل يسأل حتى يصيب قيمة ما تلف عليه، سواء كان في البستان أو في الباخرة، أو في السيارة؟ الجواب: لا؛ لأنه ليس في باب معاوضة ومثامنة مع الله، وإنما نظراً لاجتياح ماله، ولأنه أصبح صفر اليدين؛ فإنه يسأل حتى يصيب قواماً من عيش، أي: الذي يقيم معيشته، والذي يقيم حاجته، ويستغني بما يجمعه عن تكفف أيدي الناس، فإذا أصاب قواماً من عيش فليمسك، وله أن يبدأ تجارته من جديد، والله هو الرزاق.

إذاً: هناك فرقٌ بين الأول والثاني، فالأول له أن يسأل حتى يستوفي كامل حمالته، وأما الثاني فإنه يسأل إلى أن يصيب قواماً من عيش، وهو الذي تكون به معيشته، ويصبح كما يقال: كعامة الناس، ثم يمسك عن المسألة.