قال المؤلف رحمه الله: [عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك) رواه مسلم] .
هذه المسألة تتعلق بأعمال القارن، ففي أول مجيئه صلى الله عليه وسلم إلى الحج بعد أن سعى بين الصفا والمروة أمر من لم يسق الهدي بالتحلل، فسئل عن ذلك فقال:(دخلت العمرة في الحج هكذا وشبك بين أصابعه) فقالوا: دخول العمرة في الحج أي: أعمالها؛ كإحرامها وطوافها وسعيها وتحللها، فتدخل ضمن أعمال الحج، وقيل: دخلت العمرة في الحج أي: في أشهر الحج التي كانوا يمتنعون أن يعتمروا فيها.
وهنا يتفق العلماء على أن المفرد بالحج والمتمتع بالعمرة إلى الحج أن لعمرتهما أعمالاً مستقلةً لا تشترك مع الحج في شيء، وأن للحج أعمالاً مستقلةً لا تشترك مع العمرة في شيء، فالمتمتع يبدأ بالطواف بالبيت طواف العمرة؛ لأنه ركن فيها، ثم يسعى بين الصفا والمروة وهذا السعي ركن في العمرة، ثم يحلق أو يقصر وبهذا تنتهي عمرته، ويصير حلالاً، فإذا جاء يوم الثامن (يوم التروية) أحرم للحج، وصعد إلى منى، فعرفات فمزدلفة فمنى فالعقبة، ثم نزل وطاف بالبيت، وهو قد طاف بالبيت قبل ولكن للعمرة، وسعى بين الصفا والمروة ولكن للعمرة، وأما هنا فهو يطوف طواف الإفاضة للحج، ويسعى بين الصفا والمروة للحج، ثم يحلق أو يقصر للحج.
إذاً: المتمتع والمفرد كل منهما له عمل مستقل لا يشترك مع الثاني في شيء، وأما القارن فقالوا: إن عمل القارن هو بعينه عمل المفرد، والعمرة تدخل ضمن أعمال الحج، فيأتي المفرد أول ما يأتي بالطواف بالبيت طواف القدوم، وكذلك القارن إن شاء سعى بعد طواف القدوم سعي الحج والعمرة مقدماً، ثم يبقى على إحرامه إلى أن يذهب إلى منى ثم عرفات ثم مزدلفة ثم منى ثم يرمي الجمرة، ثم ينزل إلى البيت ليطوف طواف الإفاضة للحج وللعمرة؛ لأنه ركن، ولا يعيد السعي؛ لأنه قد سعى أولاً بعد طواف القدوم، وسعي العمرة قد دخل مع سعي الحج، ثم يحلق عنهما معاً.
وهنا الأئمة الثلاثة: مالك وأحمد والشافعي وأهل الحديث يقولون: عمل العمرة في القران يدخل في أعمال الحج، فيطوف لهما طوافاً واحداً، ويسعى لهما سعياً واحداً سواءً بعد طواف القدوم أو بعد طواف الإفاضة، يعني: الطواف الذي هو الركن والسعي الذي هو الركن للقارن واحد لا يتكرر.
وأما الإمام أبو حنيفة رحمه الله وبعض الطوائف الأخرى فيقولون: للحج طواف وسعي، وللعمرة طواف وسعي، فإذا كان المحرم قارناً ونزل ليطوف طواف الإفاضة قالوا: يطوف طوافين: واحداً للحج وواحداً للعمرة، ويسعى سعيين: سعياً للحج وسعياً للعمرة، هذا عند الإمام أبي حنيفة رحمه الله، ويستدل على ذلك بقوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}[البقرة:١٩٦] وإتمام كل منهما يكون بالإتيان بأركانه مكتملة، فإذا اكتفيت بطواف واحد، وبسعي واحد فهذا الواحد لأيهما يكون؟ إن كان للحج فستكون العمرة ناقصة، وإن كان للعمرة فسيكون الحج ناقصاً؟ نقول في الجواب على هذا: إذا كان هذا هو ظاهر نص القرآن الكريم فقد جاء بيانه من رسول الله صلى الله عليه وسلم صريحاً صحيحاً، والسنة تفسر القرآن، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(خذوا عني مناسككم) وهو صلى الله عليه وسلم كان قارناً في حجه، فلم يكرر الطواف، ولا السعي، وإنما اقتصر على طواف واحد، وعلى سعي واحد، وأجزأه ذلك عن حجه وعمرته معاً.
وعائشة لما طلبت منه أن تعتمر عمرة مستقلة، قال لها: تكفيك عمرتك في حجك، ويكفيك طوافك وسعيك عن الحج والعمرة، يعني: أن العمرة قد انتهت بانتهاء الحج، وقد دخلت معه، وقد انتهيت من الاثنين، فقالت: لا، أريد عمرة.
الحديث، والذي يهمنا أنه قال لها:(طوافك بالبيت، وسعيك بين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك) وهل نقول بعد هذا: لابد من طواف خاص وسعي خاص للعمرة؟! أعتقد أن هذا نص صريح في محل النزاع رافع للإشكال.