[معنى هم النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت المتخلفين عن الجماعة]
فمقدمة الحديث قوله:(أثقل الصلاة على المنافقين الصبح والعشاء) ، وهذا السياق وهذا الوعيد قالوا فيه: لقد توعد وهمَّ، فقال:(والذي نفسي بيده لقد هممت) ، والهمَّ -كما يقال-: العزم المؤكِّد، والهمُّ قد يكون حديث النفس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة) ، فهنا الهم العزم والرغبة، لكن هذا الهم بالحسنة أو بالسيئة والرجوع عنها ليس بالعزم القاطع، بخلاف ما جاء في الهم القاطع الذي لا يمنعه عنه إلا ما هو فوق قدرته.
يقول صلى الله عليه وسلم:(إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه) أي: عنده هم وعزم مؤكد.
وهنا يتكلم المفسرون رحمهم الله في قصة يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام مع امرأة العزيز، حيث قال تعالى عنه:{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}[يوسف:٢٤] فقالوا: همها هي من النوع المؤكد القاضي، ولذا لم يمنعها من تنفيذ ما أرادت إلا أن:{أَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}[يوسف:٢٥] ، ولحقته وشقت قميصه، وهمّه هو بها ليس من هذا، وإنما من خطرات النفس؛ لأنه رجل مكتمل الرجولة، وليس عنيناً أو لا إرب له، وإلا لما كان له فضل في ذلك، فنوازع النفس الفطرية خطرت في باله، لكنه راجع نفسه، أو لم يقدم، أو لم يعزم، أو لم يصل الفكر النفسي معه إلى ما وصلت إليه هي؛ لأنه رأى برهان ربه.
وإذا كان الأمر كذلك فالهم همان: همٌ هو عزم قاطع، وهمٌ هو خطرة على بال، كالواحد يكون في رمضان وفي شدة الحر يرى الماء البارد أمامه، فإن العين تنظر، والخواطر تخطر، لكن مهما خطر على البال، فإنه يضع يده في الماء البارد، ويتمنى لو جاء المغرب، ولكن يعلم بأن هناك مانعاً، فهو يعلم بأن الله سبحانه وتعالى هو المطلع عليه، فيرى برهان ربه، فلا يتناول ذلك الماء.
وعلى هذا فقوله:(لقد هممت) ، من أي أنواع الهم؟ أهو خطرة البال أم العزم المصمِّم؟ إنه العزم المصمِّم؛ لأنه لم يقتصر على هم النفس، إذ كانت هذه خطة مرسومة، ولذا قال:(يُنادى للصلاة) وقال: (آمر رجلاً فيؤم الناس) ، وقال:(أخالف برجال معي بحزم من حطب فأحرق) ، فهذا هم مؤكد وعزم، لكنه رأى موانع ذلك فقال:(لولا ما في البيوت من النساء) ، وهؤلاء لا ذنب عليهم؛ لأنهم لا جماعة عليهم.