[حكمة الخروج إلى المصلى، ومتى يصلى في المسجد]
[وعن أبي هريرة رضي الله عنه: (أنه أصابهم مطر في يوم عيد، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العيد في المسجد) رواه أبو داود بإسناد جيد] .
لما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج لصلاة العيدين إلى المصلى، وذلك لأمرين: لضيق المسجد، ولإظهار الكثرة العددية، والكثرة العددية في ذلك التاريخ كان لها أثر كبير؛ لأن مجتمع المدينة كان فيه المسلمون والوثنيون واليهود والمنافقون، والوثنيون واليهود والمنافقون يتربصون بالمسلمين، وكان في نواحي المدينة أعراب لا يعرفون شيئاً، ولا يقدرون إلا القوة والمنفعة.
فالأعداء في داخل المدينة وخارجها كانوا لا يعرفون إلا منطق القوة، فعندما يخرج النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين بهذا العدد الكبير رجالاً ونساء وأطفالاً حتى الحيض يخرجن مع المسلمين إلى صلاة العيد، يرى أعداء الإسلام الكثرة فيعملون لذلك حساباً، ومن هنا كانت الكثرة قوة، ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على التكاثر، فقال: (تناكحوا تناسلوا تكاثروا، فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة) ، بل يذكر في تاريخ العصور الحديثة والدول الكبرى والصغرى أن جولدا مائير كانت كل صباح تسأل مصلحة المواليد الإسرائيلية عن عدد المواليد الإسرائيليين والمواليد العرب تنتظر العدد والكثرة،؛ لأن الكثرة قوة وغلبة.
وقد ذكر أن محاضراً ذهب يحاضر في الصين عن خطورة القنبلة الذرية ويحذرهم منها، فضحك الحاضرون، فسأل المحاضر: لم يضحكون؟ قالوا: لأن الصين تفرح ولا تهتم إذا جاءت قنبلة وأخذت مائة ألف أو أكثر من ذلك، فإنه سيبقى في الصين من يرث العالم كله بالتعداد، فالعدد في الأمة إنما هو قوة.
وحدث في مؤتمر ماليزيا عام خمسة وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة -وشاركنا فيه- أنهم قدموا قراراً بتحديد النسل تتدخل فيه الدولة، فقلنا لهم: نحن قبل أن نأتي إلى ماليزيا درسنا التعداد السكاني والوضع الاجتماعي حتى نكون على بينة، فعرضنا على رئيس اللجنة عدد سكان ماليزيا، فالمسلمون فيهم خمسة وخمسون في المائة، والصينيون خمسة وأربعون في المائة، والصينيون لم يكونوا يحددون النسل عقيدة في ذلك الوقت، أما اليوم فأصبحت القضية عامة، فإذا أصدرتم قراراً بتحديد النسل في ماليزيا الذي سيعمل به المسلمون، فإذا عمل المسلمون بهذا القانون ولم يعمل به الصينيون -وهم أعداؤكم- فبعد خمس سنوات سيقضي هذا القرار على ماليزيا دون أن تشعروا، فألغي القرار وألغي الموضوع؛ بسبب ما سيئول إليه التعداد من الكثرة أو القلة.
وهنا كانوا يخرجون إلى مصلى العيد لإظهار تلك الكثرة أمام الأعداء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحث الشباب على الزواج، ونهى عن تحديد النسل على الصحيح، فنهى عن العزل أو كرهه، والله تعالى يقول: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:٣] وأقل شيء أن كل واحدة تأتي بواحد.
وسوداء ولود خير من حسناء لا تلد.
إذاً: كان خروج النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين لمصلى العيد لأمرين: الأول: التوسعة على المسلمين، فقد كان مسجده ضيقاً لا يسع لجميع الناس، فخرج بهم إلى الصحراء، وقد كانت الصحراء واسعة قبل أن يحدث البناء الموجود اليوم.
ولما نزل المطر وعم الجميع، وأصبح المصلى ممطوراً صلى بهم في المسجد، وهنا يبحث الفقهاء مسألة صلاة العيدين في المسجد.
فالفقهاء يقولون: إن كان المسجد يسع المصلين فهو أولى وأفضل؛ لأنه معد للعبادة طوال السنة فهو أولى من الخروج إلى المصلى.
والآخرون قالوا: ولو كان يسع فإن السنة الخروج.
ومن قال: إن تعذر الخروج، أو كان فيه مشقة على الناس، فإنهم يصلون في المسجد، ولكن إذا ضاق المسجد بالناس فإنهم يصلون حوله؛ ولهذا ينص المالكية على أن الجمعة تصح في تلك المحلات المحيطة بالمسجد إذا كان يدخل إليها بدون استئذان، مثل المعارض المفتوحة، والدكاكين التي بجوار المسجد، ففي هذه المحلات تصح الجمعة، فإذا امتدت الصفوف من المسجد إلى الشارع إلى المعرض والدكان صحت الجمعة لمن صلى في الدكان ما دام الصف متصلاً بالمسجد، فإذا كان الحال كذلك في الجمعة -وهي آكد من العيد- وحصل مطر وتعذر الخروج إلى المصلى صلينا في المسجد.
وفي الحرمين من زمن بعيد يصلون صلاة العيدين في المسجد، فلو جئت إلى مكة الآن، أو سألت أهل مكة: هل يوجد مكان يمكن أن يصل الإنسان إليه بقدمه أوسع من المسجد الحرام وما حوله؟ يقال لك: لا.
وهل يوجد مكان بسعة المسجد النبوي يمكن أن يصل إليه إنسان برجله؟ خاصة بعد التوسعة الأخيرة والتخلية التي حولها، فالمدينة كلها دخلت في التوسعة، ولم يبق بيت واحد مما كان داخل السور الرسمي للمدينة إلا دخل في توسعة المسجد النبوي.
فالمؤلف رحمه الله يختم البحث بهذا الحديث ليبين لنا أنه إن كان المسجد ضيقاً، ويوجد مصلى للعيد، وليس هناك عذر فالسنة الصلاة في المصلى، وإن كان هناك عذر مانع، أو ما يشق على الناس معه الذهاب إلى المصلى صلوا العيد في المسجد، سواءٌ أكان في المسجدين الشريفين أم المسجد الأقصى، أم أي مسجد كان في أي قرية كانت، وبالله تعالى التوفيق.