لما أقر النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على أرضهم يقومون في غرسها وزرعها، أقرهم على أصولها وبياضها.
الأصول: الأشجار المغروسة، والبياض: الأرض التي بين الأصول ليس فيها غرس.
وإعطاء الأصول على جزء من الثمر هو المساقاة؛ لأن العمل الرئيسي هو سقي هذه الأصول، وإعطاء الأرض البيضاء التي لا غراس فيها على جزء مما يخرج منها يسمى المزارعة؛ لأن الذي يأخذ الأرض البيضاء يزرع من جديد.
ومالك له مباحث في البياض مع الأصول؛ فإذا كانت الأرض فيها نخيل وأشجار يساقى عليها، ويوجد بين هذه الأشجار أرض بيضاء، لمن ثمرة هذه الأرض إذا ساقى صاحب الأصول عليها؟ يقول مالك رحمه الله: إذا كان البياض الثلث فأقل فهو تابع للأصول، وللعامل أن يزرعها لنفسه، وإذا كان البياض أكثر من الثلث، بأن كان الغرس الثلث والبياض الثلثين فهو لصاحب الأرض.
وهل يزارع المزارع عليها مع الأصول فتكون مساقاة في الأصول ومزارعة في الأرض البيضاء، أم لا يكون ذلك؟ قال: على حسب الشرط، ما يتفق عليه صاحب الأرض والداخل؛ أي: الذي سوف يعمل في المساقاة أو المزارعة يسمونه الداخل.
وإذا أعطاه الأرض البيضاء يعمل فيها مع الأصول، كلفة العمل في الأرض البيضاء كالبذر والحرث وما تحتاجه على صاحب الأرض أو على العامل؟ الجمهور على أنها على العامل.
والأئمة الثلاثة رحمهم الله يجيزون المساقاة في كل شيء، وبعضهم يقتصر على النخل فقط؛ قالوا: لأنه الذي جاء فيه الرخصة؛ لأن المساقاة خرجت عن القاعدة العامة؛ لأن فيها غرر على العامل، ولا يدري ماذا سيحصل من تعبه طوال السنة، لكن تسومح فيها لأنها رخصة، والرخصة لا تتعدى محلها، والإمام أبو حنيفة رحمه الله منع المساقاة بالكلية، قال: لأنها نسخت بالمزابنة -المدافعة- كل يدفع عن نفسه الغرر.
والجمهور يقولون: هذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، واليهود قبلت بالعمل فيها بجزء مما يخرج منها.
وخالفه أبو يوسف ومحمد، أما أبو حنيفة وزفر فيقولان: لا تصح المساقاة؛ لأن فيها الغرر.
إذاً: نستطيع أن نقول بجواز المساقاة عند المذاهب الأربعة.