للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدعاء للميت بالأدعية الجامعة الشاملة]

وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وأدخله الجنة، وقه فتنة القبر، وعذاب النار) رواه مسلم.

هذا شامل جامع لكل ما فيه سعادة المسلم: (اللهم اغفر له وارحمه) الغفر: الستر، ومنه المغفر على الرأس، فمعنى اللهم اغفر لي، أي: استر عليّ ذنوبي وغطها، وقد يكون ذلك بالمحو، ثم يأتي العفو، (واعف عنه) عفت الريح الأثر: أي أزالته، {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ} [آل عمران:١٣٤] ، يعني: يزيلون آثار الغيظ من نفوسهم، حتى لا تكون رد فعلٍ فيما بعد.

(اللهم اغفر له وارحمه) الدعاء بالرحمة كما يقول العلماء بالنسبة للآخرة، في قوله سبحانه: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:٣] ، قالوا: الرحيم: صيغة مبالغة، على وزن فعيل، فهذه صيغة مبالغة، قالوا: والرحمن: صفة للدنيا، فهو رحمان الدنيا ورحيم الآخرة، وجاء في الحديث: (إن الله سبحانه وتعالى قسم الرحمة مائة قسم، أنزل قسماً منها إلى الأرض، يتراحم بها الخلائق حتى البهائم، وإن الدابة لتضع حافرها على ولدها فترفعه رحمة به، وادخر تسعاً وتسعين جزءاً يرحم بها عباده في الآخرة) فهنا (وارحمه) : وفي الآية الكريمة: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:١٥٦] ، سواء كانت القسم الواحد من المائة وسعته في الدنيا، أو المائة بكاملها، أو التسعة والتسعون في الآخرة وسعت كل شيء.

(وعافه واعف عنه) والعافية: بدنية، والمعافاة: معنوية، ونحن نعلم بأن هذا الدعاء من أجمل وأشمل الأدعية؛ لأن من عافاه الله فهو سعيد، أي: عافاه في نفسه في ماله في ولده في سلوكه في عقيدته.

إلى ما شاء الله.

وتذكرون في دعاء ليلة القدر لما سألت أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها رسول الله سؤال حبيب لحبيبه: (ماذا أقول إن أنا صادفت ليلة القدر؟ قال: قولي: اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعف عني) وهذا كما أشرنا إليه في محله أن تسأل الله باسم من أسمائه الحسنى بما يناسب المسألة، ولذا يقولون عند قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:١٨٠] وجاء في الحديث أنها تسعة وتسعون اسماً، فهل تسأل الله بتسعة وتسعين اسماً له في مسألة واحدة؟ قالوا: لا.

ولكن تتخير من التسعة والتسعين اسماً من أسماء الله للمسألة التي تسألها، وتسأل بالاسم الذي يتناسب مع حاجتك، فمن يريد الرزق لا يقول: يا منتقم يا جبار ارزقني، ولكن يقول: يا رزاق يا كريم ارزقني، وكذلك المغفرة لا تقول: يا عظيم السلطان، وقل: يا غفور يا رحيم! وكذلك عندما تريد العفو تقول: اللهم إنك عفو، تسأله بالصفة التي تريد مسألة من نوعها.

وهنا: (واعف عنه) ، أي: بلا سؤال ولا حساب ولا شيء؛ لأن من نوقش الحساب فقد عذب، فإذا كان محكوماً عليه بالإعدام أو بالسجن كذا سنة، فجاء له العفو خرج بالعفو، فعفو الله أوسع.