قال المصنف رحمه الله: [وعن عائشة رضي الله عنها: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إن أمي افتلتت نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم) متفق عليه، واللفظ لـ مسلم] .
في حديث عائشة رضي الله عنها هذا عدة جوانب من المباحث الفقهية: قولها رضي الله تعالى عنها: (أن رجلاً) ورجل: نكره لم يعرف من هذا الحديث من هو؟ ومعلوم عند علماء الحديث أن النكرة غير المعرفة، ولا يؤخذ بحديث الرواي حتى يعرف من هو؟ وهل هو عدل، ثقة، ضابط أم لا؟ ولكن كون الرجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله، دل على أنه صحابي، والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة، لا يفتش عن أحد منهم، فسواء عرف بشخصه وبذاته، أو جهلت شخصيته وذاته، فما دام أنه قد ثبتت صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عرف هذا الرجل من روايات أخرى أنه سعد بن أبي وقاص فقد جاء:(أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم غازياً، ثم ماتت أمه في غيبته) الحديث، وجاء في رواية:(أنه قيل لها: أوصي؟ قالت: بمَ أوصي والمال مال سعد؟ أي: ليس لي) .
وهنا يقول:(إن أمي افتلتت نفسها) .
أي: ماتت فجأة دون أن تعطى فرصة للتصدق، وقال:(إنها لو تكلمت) أي: في آخر حياتها لتصدقت.
أي: لأوصت بالصدقة، وهنا النبي صلى الله عليه وسلم يقره على أنها لو أوصت لصحت وصيتها.
ثم يتساءل (وأظنها) لما يعلم من رغبتها في الخير في حياتها، (أنها لو تكلمت لتصدقت) ، بمعنى: لأوصت بالصدقة؛ لأنها في تلك الحالة ليست في حالة إخراج صدقة فعلاً؛ لأنها مريضة وقد افتلتت نفسها، فليس هناك إمكانية لإجراء الصدقة بالفعل، فأقره صلى الله عليه وسلم على أن لها ذلك وأن الوصية عند الموت جائزة، كما تقدم وكما سيأتي، وحدود ما شرع الله هو الثلث كما تقدم في قضية سعد أنه قال:(يا رسول الله! أنا ذو مال كثير ولا يرثني إلا ابنة واحدة أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، بشطر مالي؟ قال: لا، بثلث مالي، قال: نعم، والثلث كثير) ، وجاء في الروايات الأخرى:(تصدق بالعشر، فلا زال يتكلم وأتكلم حتى قلت الثلث؟ قال: والثلث كثير) وحدود وصية أو تصرف المريض مرض الموت في ماله محصورة في الثلث.