للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (كان إذا صلى وسجد فرج بين يديه)]

قال رحمه الله: [وعن ابن بحينة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى وسجد فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه) ، متفق عليه] .

إذا عرفنا أن المراد بالكفين اليدين، وأن نص الفقهاء على أن تكون منضمة الأصابع، وجئنا إلى القدمين؛ وعرفنا بأن موضع السجود هو أطراف الأصابع وهناك حركة وهيئة تتعلق باليدين مرة أخرى جاءت هنا: يقول ابن بحينة: (كان إذا صلى وسجد فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه) ، ما المراد باليدين؟ انظر إلى قوله: (حتى يبدو بياض إبطيه) ، أي جزء من اليد الذي يغطي الإبطين؟ إنه العضد، فإذا سجد الإنسان وضم عضديه على الكتاب أو العصا أو أي شيء، تضم العضدين على الجانبين فتلصقهما، ولا يمكن أن تسجد هكذا، لكن فرج بينهما حتى يبدو بياض الإبطين، وبعض الإخوة -أكرمنا الله وإياهم- يأتي فيصلي فإذا بهذا المرفق هناك، وهذا الآخر هنا، وآخذ نصف متر عن اليمين، ونصف متر عن الشمال، تعود هذا منفرداً، وإذا كنت منفرداً لك حرية، ويجب أن يكون المظهر بصفة عامة مظهر لائقاً، ولا يكون فيه تكلف، فتجد البعض قد يشدد على نفسه أكثر من اللازم في سجوده؛ حتى يكون الوركان منفرجان، واليدان ممدودتان، ويكون على سبيل الفطرة غير لائق، فإذا صلى في جماعة يظن أن السنة أن يفرج ليرى بياض إبطيه؛ فيؤذي هذا، ويؤذي هذا، وإذا كنت منفرداً أو إماماً فبقدر المستطاع، فالغاية القصوى من تفريج اليد عن الجنب حتى يُرى بياض الإبط، ولو فعل أقل من ذلك لأمكن، والمحظور هو أن تسجد ملصوق العضدين بالجانبين؛ لأنه لما تأتي تسجد وأنت هكذا تكون هيئتك هيئة هرة، دعك من الهرة لكن أنت تحكم عليه في شخصيته كأنه كسلان يصلي وهو عاجز، كأنه يقول: دعني أنتهي منها، لكن يفرج العضدين، والفقهاء يقولون: ليتميز كل عضو بسجوده لله سبحانه، وأحسن من هذا ما ذكره صاحب سبل السلام الصنعاني: لئلا يكون في مظهر الكسلان، فالغرض من هذا ألا تكون في صورة العجز والكسل، وليس الغرض من هذا كما يقولون: فتل الأعضاء والعضلات، لا، الصلاة خشوع، والصلاة خضوع، ومراعاة اللائق.

والحديث يشير: (حتى يُرى) رؤية الإبطين كانت سهلة؛ فلم يكن هناك ثوب وفنيلة كم، بل كان هناك الإزار والرداء والقميص، وكم القميص كان قصير وواسع، وأقل لفتة تبين الإبطين، والإبط ليس بعورة، ونحن الآن لا يستطيع أحد أن يرى إبط الثاني وهو ساجد، وأصبحت الثياب على وضع آخر بحسب ظروف الحياة، فلو كان رأساً إزاراً ورداءً أو محرماً فسوف يرى بياض إبطيه، وسيكون من السهل جداً أن يراه، وأدنى تفريج ولو سنتيمتر واحد سيرى بياض الإبط.

إذاً: ليست المسألة مغالاة ولا تفريطاً، وإنما المراد هو الخروج عن هيئة الكسلان الذي يأتي الصلاة بدون نشاط، وهذا خاص بالرجال، بخلاف المرأة فهي تضم نفسها، لما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه رأى امرأتين تصليان فقال: (ضما اللحم إلى اللحم) ؛ لأن ذلك أستر للمرأة.