القسم الخامس: شركة التفويض: ويمكن الكثير يعملها، يأتي إنسان صاحب مال لزميله أو جاره صاحب مال يقول له: يا فلان! نحن شركاء فيما عندنا، فوضتك في مالي، وفوضتني في مالك، فكل منهما يبيع ويشتري في ماله بالأصالة، وفي مال شريكه بالوكالة، وبدون تحديد: كم عندك؟ وكم عندي؟ وبعض العلماء يمنع هذه الشركة ويقول: فيها ضرر، وقد يكون المال الموجود معلوماً لدى الطرفين، والبعض يقول: تجوز ما لم يدخلا فيها كسباً نادراً أو غرامة نادرة، والكسب النادر مثل الميراث، فالأول يعلم أن عنده في دكانه بضاعة مثلاً بخمسة آلاف ريال سواء اتحدت البضاعة أو اختلفت، والثاني عنده بضاعة بعشرة آلاف، وتفاوضا مفاوضة مطلقة في كل ما يملكان، فإذا ورث أحدهما مالاً في أثناء الشراكة، فهل يدخل الميراث في هذه؟ لا، وإن دخل فيها أبطلها؛ لأن التعاقد كان على الموجود المعتاد، ولو أن أحدهما صارت عليه غرامة، وقعت حادثة ولزمته غرامة، فما دامت شركة مفاوضة فإنه يأخذ من ماله ومن مال شريكه، والشريك ما كان متوقعاً مثل هذه الغرامات النادرة فتبطل بهذا.
هذه أنواع الشراكات الخمسة، وكتب الفقه فصلتها على حسب موضوع الكتاب وسعته واختصاره، فقد تجد كتاباً من مراجع الحنابلة (كالروض المربع) مثلاً يجملها كلها في ورقتين، وتجد (المغني) مثلاً يفصلها في خمسين أو ستين صفحة، وتجد (المجموع) أيضاً توسع في جزئياتها واحتمالاتها، وذكر لها تفريعات على أصولها.
ونحن بعد هذه المقدمة لأنواع الشركات نرجع إلى الأحاديث التي في الباب، ونأخذ مدلولها وما ينطبق منها على تلك الشركات الخمسة، فما انطبق عليها فالحمد لله، وما لم ينطبق عليها فنرجع إليها في كتب الفقه.
ومهما يكن من شيء، فلا يمكن أبداً أن نفقه موضوع الشركات من كتب الحديث، ولا حتى من (فتح الباري) ولا غيره، إنما يفهم ذلك من كتب الفقه والتفريع، لأنها تخرج الجزئيات على الكليات، والفروع على القواعد، وتذكر الأمثلة الكثيرة، فرحمة الله على الفقهاء.