البحث الذي كثر السؤال عنه هو مياه المجاري إذا صفيت، وإذا عولجت، فهل تلك التصفية وتلك المعالجة ستعيدها إلى أصلها؟ لقد بحثت هيئة كبار العلماء فيما يتعلق بتصفية مياه المجاري وتخويلها إلى مياه صالحة لاستعمال.
وأقول: إن هذا البحث على ما فيه من سعة، وما فيه من فقه، وما فيه من أبحاث كان ينبغي أن يذكر الفرق بين النجاسة الطارئة على الماء، وكيفية تطهيرها، وبين النجاسة الأساسية، كيف تطهر، وكلما ورد في هذا البحث إنما هو تطهير الماء إذا تنجس، والأمثلة فيه منها: ما لو سقطت ميتة في البئر، أو وقعت الفأرة في السمن، وكلها أمثلة على ماء موجود طرأت عليه نجاسة، فكيف نطهره؟ هل بالمكاثرة، أو بالتراب، أو بإخراج الميتة من البئر؟ ولكن المبحث هنا هو في الماء النجس العين، وهو ماء المجاري، فلم يتعرضوا له بشيء، وفي نهاية البحث -جزاهم الله خيراً- قالوا: وينبغي على المسلمين أن يتجنبوا هذا الماء ما دام الماء الآخر موجوداً متوفراً.
ولكن قالوا: من عافت نفسه أن يشرب فلا يشرب، ومن لم يجد غيره وتوضأ فوضوؤه صحيح.
ولعل في هذا إشارة إلى بعض ما يتعلق بهذه المسألة، وهي تحول الماء الطاهر -لا الماء النجس العين-، وهل تحوله يعيد إليه طهوريته أم لا.
ومن أراد البحث بشكل أوسع فليرجع إلى مجلة البحوث العلمية، وهو في عدد ذي القعدة وذي الحجة لعام اثني عشر وأربعمائة وألف للهجرة، والبحث في أكثر من ثلاثين صفحة.
وأحب أن أنبه أخيراً على أن القرآن اشتمل على منهج التدرج في تحريم الخمر؛ لأنها كانت متأصلة، أو كانت مستفيضة، واستمالت نفوس الناس، فتدرج الوحي الكريم بتخفيفها شيئاً فشيئاً، حتى فطمهم عنها مرة واحدة، وبالله تعالى التوفيق.