[الحكمة في القعود على الرجل اليسرى ونصب اليمنى عند التغوط]
قوله: (أن ننصب اليمنى، ونقعد على اليسرى) .
يقول العلماء: ما السبب في هذا؟ فأجاب بعض العلماء بأن هذا أمر شكلي؛ تكريماً لليمنى أن تكون متمكنة من الأرض كاليسرى في تلك الجلسة.
والآخرون قالوا: هناك حكمة خلقية في خلقة الإنسان، وهي: أن هذا الجلوس يساعد على خروج الفضلات، ويقول الأطباء: بأن المستقيم الذي يخرج الفضلات إلى الخارج يأتي من جهة اليسار، فإذا ما نصب اليمنى وجلس على اليسرى سيميل -بطبيعة الحال- بارتفاع اليمنى إلى جهة اليسار، فيكون بميلانه إلى اليسار ويده منضمة هكذا بمثابة من يعتصر المستقيم ليساعد على خروج الخارج بيسر، وخاصة إذا كان هناك إمساك فإن هذه الهيئة على هذا الوضع تسهل عملية التبرز، وتساعد على إخراج ما في الجسم من فضلات، ويكون ذلك من تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه فرق بين اليمنى واليسرى.
ويقول بعض المستحدثين: كيف للنبي صلى الله عليه وسلم أن يرى ذلك أو يعلم ذلك في تشريح الإنسان أو في وضع أعضائه الداخلية؟ وذكر في مواطن أخرى الأمور الخارجية كقوله: (كل سلامى من ابن آدم كل يوم عليه صدقة) وقالوا: ثلاثمائة وستون مفصلاً في الإنسان كيف عدها؟! إذاً علم التشريح يبين تلك المواضع والوظائف.
وهذا عالم بحار غربي أسلم بسبب ما جاء في القرآن الكريم على صفة البحر {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور:٤٠] ووجد ذلك فعلاً في البحر الأسود، وهو أشد البحار أمواجاً وخطورة، ولما سمع الآية قال: عجيب! محمد لم يخرج من الجزيرة، ولم يركب البحر، ولم يزاول أعمال البحارة، كيف استطاع أن يصف هذا الوصف؟! لابد أن يكون ذلك بوحي من الله؛ إذاً: هذا دين صحيح، وهذا رسول صادق.
فأسلم لهذه الآية الكريمة.
فكذلك كثير من المسيحيين الذين سلموا من التعصب، أو طلبوا العلم والحقيقة بذاتها، كثيراً ما يتأملون في بعض الأحاديث فيما يتعلق بالإنسان في تركيبه أو تكوينه إلى غير ذلك، فيهديهم الله سبحانه وتعالى ببعض هذه النصوص إلى الإسلام وإلى حقيقته.
وهاهنا عملية بسيطة علمنا فيها رسول الله إذا جلسنا إلى الخلاء أن نجلس على اليسرى وأن ننصب اليمنى، هذا إذا أمكن للإنسان، أما إذا كان شخصاً مريضاً أو بديناً لا يستطيع أن يجلس على رجل واحدة، فلا يستطيع أن يجلس على هذه الحالة، فلا نقول له: لابد من أن تفعل ذلك؛ لأن هذا يشق عليه، بل بقدر المستطاع ما دام أنه في مجرى التعليم، وأنه لأمر ترجع نتيجته إلى الإنسان في ذاته، والله سبحانه وتعالى أعلم.
بالمناسبة: ربما يقول إنسان: نحن المسلمين جاءت إلينا بعض المظاهر في الحياة عن غيرنا، كهذه المقاعد الإفرنجية، وهي فعلاً جاءتنا من الإفرنج، يجلس الشخص عليها جلوسه على الكرسي ويقضي حاجته، فلا يستطيع أن ينصب اليمنى ولا أن يجلس على اليسرى، بل إنه رافع لرجليه، فيكون هذا مخالفاً للسنة، فهو بدعة.
نقول: لا، إذا كان للإنسان بديل، ويصعب عليه الجلوس على بيت الخلاء العادي والقيام عنه، ولكن هذه التي وجدت -كما قيل- إفرنجية تساعد على قضاء حاجته برفق فلا بأس، فإذا كان الأمر كذلك فالإنسان ينظر ما يمكن أن يستريح به، وكيف يمكن أن يقضي حاجته على راحته، وأن يتمكن من أداء طهارته، سواءً كان على كرسي عربي أو على إفرنجي، أو كان في الخلاء، أو ينصب اليمنى أو يجلس عليهما، إنما ذلك من باب الأفضلية وليس بواجب، ولا يعاب على إنسان استعمل هذه المقاعد الأخرى؛ لأنه ربما يكون أيسر له، ويعجز أن يستعمل غيرها، والله تعالى أعلم.