قال:(وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره) ، ولم يذكر لنا القراءة؛ لأنها معروفة، وغيره يذكر قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفريضة، والاقتصار على المفصل، سواء من طوال المفصل أو قصاره أو أوسطه، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها تذكر لنا قراءته في قيام الليل، وأنه ربما خفف القراءة، وربما أطال فيها، وربما قرأ البقرة وآل عمران والنساء في ركعة واحدة.
إذاً: أبو حميد يذكر لنا الهيئة والكيفية العملية، فإذا ركع ماذا فعل بركبتيه؟ (أمكن يديه من ركبتيه) ، ولم يستند على الركبتين ولكن أمكن، وكيفية الإمكان كما يقول العلماء: ألقم كفيه ركبتيه، ويفرج الأصابع ويقوسهما بحسب حالة الركبتين، وكأنه يمسك على الركبتين بأصابعه، فيصير متمكناً من إمساكه الركبتين بكفيه، لا مجرد استناد أو وضع، ولكن بالتمكين؛ وذلك بتفريج الأصابع وقبضها على الركبتين.
(ثم هصر ظهره) ، هصر بمعنى: مداً معتدلاً، ليس فيه تقويس، ولا ارتفاع، قالوا: لو أن إنساناً أتى بقدح من ماء ووضعه على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو راكع لم يتدفق القدح، لاستواء الظهر تحت هذا القدح.
(فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه) ، فإذا رفع رأسه من الركوع اعتدل، بمعنى: استوى قائماً معتدلاً لا منخفضاً إلى الركوع، ولا هوياً أكثر من ذلك بل اعتدل، وفي حالة هذا الاعتدال تأتي الطمأنينة، وعبر عنها بقوله:(حتى يعود كل فقار مكانه) أو يعود كل عظم مكانه، وأشرنا إلى أنهم يقولون: إن ظهر الإنسان فيه ما يسمى العمود الفقري، وهو مركب من عدة فقرات، ومن الممكن فصل بعضها عن بعض، وترى ذلك بوضوح في الهيكل العظمي، سواء كان في الإنسان أو الحيوان، والنخاع الشوكي يمر في هذه الفقرات، فمراده بقوله:(حتى يعود كل فقار إلى مكانه) ، أن يستوي ويستقر في موضعه.