وهنا يقال: إن هذه المحظورات تعتبر من خصائص الإحرام، فإن الزوجة حلال بكتاب الله، وحينما أحرم قيل له: لا تمس الزوجة فإنها محرمة عليك مدة الإحرام، سبحان الله! الإحرام الذي هو قربة إلى الله يحرم عليه الزوجة؟! والشخص الحلال الذي لم يحرم زوجته حلال له؟! قالوا: لأن معطيات الإحرام تهذيب النفس وتربية المسلم تربية مثالية، فإذا كانت الزوجة معه في هودجهما، والاثنان على بعير واحد متقابلان، ويكونان معاً في خيمتهما، ومعاً في طعامهما وشرابهما ومنامهما، ويمسك نفسه منها وهي كذلك مدة الإحرام، وكم من نوازع تأتي بينهما، وكم تكون هناك من تفاعلات نفسية غريزية، لكنه يتذكر أنه محرم فيكف عن ذلك؛ بل ربما لا يفكر نهائياً في هذا الموضوع؛ لأنه محرم.
ولو قدر أنه اختلى بأجنبية لظروف ما فإنه تكون عنده حصانة ومناعة، وقد تعلم كيف يمتنع من زوجته التي هي حلال له في كتاب الله، فتكون الأجنبية من باب أولى، فيأخذ هذا الدرس، ويتعود هذا التعود بالنسبة للمحرمة عليه بناء على الحلال التي أحلها الله له، ولكن بالإحرام كف وامتنع.
إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة -وهذا قطعاً-في عمرة القضية، وبنى بها في سرف، لكن جاء عن ابن عباس أنه عقد عليها وهو محرم، وجاء عن رافع بن خديج أنه ما عقد عليها إلا بعد أن تحلل، فتعارضت الروايتان عن صحابيين كل له صلة بالقصة؛ هذا يروي عن خالته، وهذا كان السفير بينهما، فجاء حديث صاحبة الموضوع وفصل في النزاع وعرفنا أنه تزوجها وهو حلال.