[ذكر مذهب الأئمة الأربعة في زكاة الحلي]
وعلى هذا المبدأ والأساس نأتي إلى الأئمة الأربعة رحمهم الله، فنجد الخلاف في هذه المسألة مستوي الطرفين، وعلى أشده نجد إماماً من الأئمة رحمهم الله يقطع بالزكاة في الحلي المستعمل، لقوله: (في يد ابنتها مسكتان ... ) (أتؤدين زكاته؟) فهذا صريح.
ونجد إماماً آخر يقابله بقوله: لا زكاة فيما هو مستعمل.
ونجد واحداً من الأربعة ورد عنه روايتان: إحداهما أن فيه الزكاة، والأخرى ليس فيه الزكاة.
ونجد الإمام الرابع له وجهان أو قولان، والخلاف عند الفقهاء في الفرق بينهما قديمٌ وحديث؛ فالقديم فيه زكاة والجديد ليس فيه.
فهذا على سبيل الإجمال حتى نحصي الأقوال.
فالإمام أبو حنيفة رحمه الله أوجب الزكاة في الذهب والفضة مطلقاً، نقداً، مصوغاً، تبراً، مستعملاً، مكسراً، بأي حالة من الحالات.
يقابله مالك رحمه الله فقال: لا زكاة في الحلي المستعمل المباح.
وهو ينصب على حلي المرأة الذي تستعمله، ويخرج عن ذلك حلي المرأة الذي لا يستعمل؛ وحلي المرأة غير المباح الذي يلبسه الرجل، وآنية الأكل والشرب، فهذا حليٌ غير مباح، فالحلي الغير المباح مزكىً عند مالك، والحلي المباح والمستعمل بالفعل غير المعطل هو الذي يقول مالك: لا زكاة فيه.
وكلمة (حلي، مباح، مستعمل) منصبة على الذهب والفضة، أما إذا كان هناك لؤلؤ، جواهر، ياقوت، فيروز، ماس، فهذه لا زكاة فيها بالإجماع، وإن تحلت بها المرأة أو اقتناها الرجل.
أما الإمام الشافعي رحمه الله فعنده قولان: قولٌ قديم أنه يزكى، فيكون هذا القول موافقاً لقول أبي حنيفة، وقولٌ جديد: أنه لا يزكى، وهذا القول موافق لقول مالك.
فيذكر ابن عبد البر عن الشافعي في هذه المسألة أنه فعلاً في القديم يقول بزكاته كما يقول أبو حنيفة، وينقل عنه: أنه لما ذهب إلى مصر قال: أستخير الله في الحلي المستعمل، ثم اختار القول بعدم الزكاة، أي: أنه كان متردداً، ولكن اختار عدم الزكاة.
نأتي إلى الإمام أحمد رحمه الله، فيذكر صاحب الإنصاف والمغني -وكل مراجع الحنابلة المتوسعة- عن أحمد رحمه الله روايتين: روايةً نُقل عنه فيها: أنه يزكى، وروايةً نُقل عنه فيها: أنه لا يزكى.
فنحن عندنا منهج: إذا وجدنا مسألة خلافية -وأعتقد أن هذا الخلاف معتدل أو متساوٍ- فيهما قولان، أو روايتان، فخذ القول الذي يقول: تزكى مع من قال: تزكى، والرواية دعها مع القول بالزكاة، فيكون عندنا: قولٌ ورواية وقولٌ في مذهب، قولٌ في مذهب ورواية بعدم الوجوب، ومذهب وقولٌ ورواية في مذهبٍ على مذهب الوجوب، فيكون الخلاف معتدل التوازن.