الجانب الثاني: فضيلة عبد الرحمن بن عوف أن اختاره الموجودون في تلك الغزوة بأن يتقدمهم ويؤمهم في الصلاة مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وخطر في بالي أن غزوة تبوك حضرها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وهم الخلفاء الراشدون أو المرشحون للخلافة، وابن عوف لم يكن منهم، نعم هو من المبشرين بالجنة ولكن لماذا قدموه وفي القوم هؤلاء؟ مع أن أبا بكر قال فيه صلى الله عليه وسلم:(لو وزن أبو بكر في كفة والأمة في كفة لرجح عليها أبو بكر) وفضيلة أبي بكر وصلته برسول الله أمر مفروغ منه: (هل أنتم تاركوا لي صاحبي) وقال تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[التوبة:٤٠] .
يمكن أن يقال: لكل مقام مقال، فالخلافة وإدارة الأمة ومراعاة شئونها تصلح لـ أبي بكر، الصلاة من حيث هي أداء، لقد عرف عن أبي بكر كما جاء من حديث عائشة:(مروا أبا بكر فليصل بالناس.
قالت: يا رسول الله! إن أبا بكر رجل أسيف، إذا قرأ لا يتمالك نفسه) أي أنه يبكي، وإذا قدمنا شخصاً يصلي بنا فلسنا في حاجة إلى أن نسمع بكاءه، نحن في حاجة إلى أن نسمع القراءة، فالصلاة مبناها على القراءة وليس على البكاء.
إذاً: يكون ابن عوف مناسباً لإمامة الصلاة في هذا الوقت، ويمكن أن يروا بأنه أولى من غيره.
ثم مجيء النبي صلى الله عليه وسلم، ومحاولة المغيرة أن ينبه الإمام ليتراجع، يقولون: إن الإمام الراتب إذا تغيب وقدم القوم رجلاً يصلي بهم، فحضر الإمام الراتب، فهو مخير بين أن يتقدم ويرد من قدموه، ويصبح بعد أن كان إماماً مأموماً، حتى ولو كان قد صلى ركعتين أو ركعة من الصلاة، وإما أن يترك حقه في الإمامة ويقف مع المصلين مأموماً كبقية الناس، وهنا الرسول صلى الله عليه وسلم له حق الإمامة على الأمة عامة، فترك هذا الحق وصلى خلف الإمام الذي اختاروه لأنفسهم مسبوقاً مأموماً ثم أتم صلاته.